38serv
إنّ التدرّج في التّنظيم الاجتماعي هو الأسلوب المفضّل في كلّ إصلاح أتمّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أمره الله بإتمامه. وقد اتّبع هذا الأسلوب بنفسه في إلغاء المسكرات الّتي كان تناولها عادة متّصلة مستحكمة من عادات الجاهلية.ومن الطّريف أنّ الإسلام لم يقل في الخمر قولاً شافيًا إلاّ في السنة السّابعة للهجرة بعد صُلح الحُديبية وقيل في الرابعة أو الخامسة.. كأنّه عمد إلى تأخير ذلك حتّى يصيب المسلمون شيئًا من الاستقرار، فيكون أقرب إلى تفهّم التّعاليم الاجتماعية والعمل بها في المجتمع الناشئ الجديد.ولكي يُعالج الإسلام إدمان المسكرات بالحكمة والموعظة الحسنة، آثر أوّل الأمر أن يُقِرّ ببعض منافع الخمر إلى جانب المضار، موجّهًا أنظار أصحابها إلى غلبة الإثم على النّفع، والشرّ على الخير في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} البقرة:219، خمر حرّم على المسلمين الصّلاة وهم سكارى، ليَضع حدًا لمعاركهم القولية والفعلية، ولضياع صوابهم حتّى وهم يُصلّون فقال جلّ ذِكرُه: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُون} النّساء:42، وبعد أن ضيّق عليهم فرص السّكر، وحرّك منطقهم التّشريعي الفطري، وبصّرهم بمضار شرب الخمر، حرّم هذه الآفة تحريمًا حاسمًا، فقال عزّ وجلّ: {يَا أيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَسْيِرُ والْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَسْيِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون} المائدة:94، وهكذا تدرّج الإسلام في التّنظيم الاجتماعي وإصلاح الخلق والتّربية النّفسية بما كفل لمجتمعه الاستقرار وحصنه من عوامل الفساد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات