"غوارديولا الجزائر".. نجم سطع في سماء عين الفوارة

38serv

+ -

المدرب الشاب خير الدين ماضوي، أو “غوارديولا الجزائر” كما يحلو للبعض تسميته، هو نجم سطع اسمه في الموسمين الكرويين الأخيرين في سماء ملعب 8 ماي 1945 بسطيف، لقب لم يأت من الخيال أو من باب المجاملة، وإنما جاء نتيجة مجهود كبير وعمل جبار قام به ابن مدينة عين الفوارة. هذا المدرب الصغير الذي بدأ مشواره الكروي كلاعب في “النسر الأسود” نادي وفاق سطيف، ثم كمدرب له، حقق ما عجز عنه كبار المدربين المحليين والأجانب في البطولة الوطنية. الكنية التي وضعت له قبل سنة فقط من الآن لم تأت من العدم، وإنما كانت ثمرة جهد كبير بذله أصغر مدرب في القارة السمراء، وإنجازات كبيرة حققها خير الدين ماضوي مع الوفاق في ظرف قياسي لم يتعد الموسمين، هذا المدرب الذي عمل كمساعد للمدرب نور الدين زكري الذي قدم به رئيس النادي سابقا عبد الحكيم سرار من فرنسا، فمساعدا للمدرب ألان غيغر، قبل أن يتحول إلى الرجل الأول للعارضة الفنية للنسر الأسود، بعد رحيل المدرب الفرنسي هوبيرت فيلود. كل هذه المحطات كانت كافية لخير الدين ماضوي لاكتساب الخبرة اللازمة التي تأهله لأن يكون المدرب والمسؤول الأول عن العارضة الفنية لوفاق سطيف، وليعيد قطار الوفاق إلى سكة الانتصارات وتحقيق إنجازات محلية وقارية.لم يكن الشارع السطايفي والوسط الكروي في الجزائر في بادئ الأمر يتصور السيناريو الذي سيكتبه “غوارديولا الجزائر” بأحرف من ذهب، وأن تكون بداية مشوار خير الدين ماضوي كمدرب على هذا المنوال، بحكم أنهم لم يكونوا متأكدين أن هذا الأخير سيصنع هذا الاسم الكبير في مدة زمنية قصيرة، وفي ناد مثل وفاق سطيف الذي أكد في السنوات الأخيرة أنه من طينة الكبار وأحد أكبر الأندية الجزائرية التي يعول عليها في المناسبات الكبيرة، بالنظر إلى الخبرة القليلة التي يمتلكها “غوارديولا الجزائر”، لاسيما أنه اعتزل ميادين الكرة المستديرة مبكرا لتوالي الإصابات عليه، ولكن قوة الذهنية والهدوء والتواضع وكذا الرزانة التي يمتلكها ماضوي، إلى جانب الثقة الكبيرة التي وضعها فيه الرئيس الحالي للنادي حسان حمار وإصراره الشديد على بقائه المدرب الرئيسي وتمسكه به، كلها عوامل عجلت بدخوله التاريخ من بابه الواسع، فحوَّل الخيبات الأولى والنتائج المتواضعة التي حققها في 4 مباريات الأولى له كمدرب أول في الوفاق، إلى إنجازات تاريخية يشهد لها العدو قبل الصديق.12 مباراة مع “الخضر” و4 أهدافولد ماضوي في 27 مارس 1977 بمدينة عين الفوارة، كان منذ الصغر مولعا بمداعبة الكرة، حيث دخل الملاعب مع نادي وفاق سطيف للأصاغر إلى أن وصل إلى الفريق الأول للأبيض والأسود. انطلق مشوار خير الدين ماضوي كلاعب في فريق القلب نادي وفاق سطيف سنة 1997 لمدة 3 مواسم كاملة، حيث لعب كمدافع ووسط ميدان إلى غاية سنة 2000، حينما قرر تغيير الوجهة إلى نادي شباب بلوزداد الذي لعب له لموسمين إلى غاية 2002، ثم يقرر اللاعب العودة إلى ملعب 8 ماي ليتقمص اللونين الأبيض والأسود من جديد.اختير خير الدين ماضوي في هذه المدة ضمن القائمة التي تمثل المنتخب الوطني للشباب، ثم الفريق الأول الذي لعب معه 12 مباراة في منصب وسط ميدان، 3 منها في الدور التصفوي من “الكان” و3 مباريات أخرى في إقصائيات كأس العالم، سجل خلالها 4 أهداف، ولكن تبقى الذكرى الأسوأ في مشواره كلاعب مع “الخضر” هي حادثة استبعاده من قائمة اللاعبين المعنيين بالمقابلة الودية التي جمعت “محاربي الصحراء” بمنتخب الديكة وشارك فيها الأسطورة زين الدين زيدان.الطريق إلى النجومية..رغم أنه اعتزل الملاعب مبكرا بعد أن توالت عليه الإصابات في المواسم الأخيرة التي لعب فيها بعد عودته إلى النسر الأسود، قرر اللاعب اعتزال اللعب نهائيا، وخوض تجربة التدريب واكتشاف عالمه الذي اقتحمه كمدرب رئيسي في وفاق المسيلة الناشط في بطولة الهواة وقاده لتحقيق نتائج كبيرة، ونافس على الصعود مع أمل الأربعاء إلى غاية الرمق الأخير دون تحقيق الهدف المرجو، ليعود بعدها إلى الوفاق كمساعد للمدرب نور الدين زكري في 2009، وغادر معه إلى نادي اتحاد العاصمة كمساعد أيضا، ثم مساعدا للمدرب السويسري آلان غيغر، ثم مساعدا لهوبيرت فيلود، ليصبح بعدها الرجل الأول للوفاق، حيث قاده إلى المركز الثالث في البطولة المحترفة الأولى الموسم قبل الماضي.في 21 مارس 2014، أعلن استقالته من تدريب وفاق سطيف على خلفية فشل فريقه في تحقيق نتائج إيجابية خلال 4 مباريات بالدوري الجزائري، لكن إصرار رئيس النادي حاليا حسان حمار على التمسك بخدماته ونجاح “النسر الأسود” في اقتطاع تأشيرة التأهل إلى دور المجموعات من المنافسة القارية بعد فوزه على نادي القطن الكاميروني بنتيجة 1 - 0 في مباراتي الذهاب والعودة أيضا في دور 16، جعل حلم تحقيق الفوز ورفع الكأس والعودة بها إلى مدينة سطيف يكبر أكثر فأكثر، كما أن إصرار وتمسك حمار الذي آمن بقدراته جعل المدرب الشاب يعدل عن قراره ويقرر مواصلة المغامرة وسط نجاح كبير.وبعدها جاء الإنجاز الذي حققه وفاق سطيف بالتتويج بدوري أبطال إفريقيا في مباراة مجنونة، والذي وضع الجزائر في قائمة البلدان الإفريقية التي تشرفت بالتتويج القاري بعد غياب دام أكثر من 24 عاما، وكان يقف وراءه أصغر مدرب عربي وإفريقي هو خير الدين ماضوي الذي خالف كل التوقعات، خاصة بعد أن حقق الفوز وتُوِّج بالكأس الإفريقية للمرة الثانية في تاريخه، وهو إنجاز لم يسبقه إليه أي مدرب محلي أو أجنبي في الجزائر.وقد ذهب كثير من المختصين والمتابعين للشأن الرياضي في بلادنا إلى تسميته “غوارديولا الجزائر”، كون مشواره مع الوفاق والإنجازات التي حققها معه يشبه إلى حد بعيد ما حققه المدرب العالمي جوزيب بيب غوارديولا مع نادي برشلونة الإسباني، بتتويجه بألقاب لم يسبقه إليها مدرب آخر وهو في سن مبكر، حيث عاد خير الدين ماضوى من بعيد ليدرب وفاق سطيف ويصنع تاريخا حافلا له في القارة السمراء في ظرف زمني قصير جدا، عجز عن تحقيقه خيرة المدربين الذين تعاقبوا على الوفاق وعلى النوادي الجزائرية، سواء المحليين منهم أو الأجانب الذين تم استقدامهم. ليحقق بذلك أفضل انطلاقة له كمدرب رئيسي، فيتوج بلقب دوري أبطال إفريقيا ويدخل به التاريخ كأصغر مدرب ينال هذا التاج القاري، وسنه لم يتجاوز الأربعين عاما.كان الشارع السطايفي يظن أن ماضوي سيكون المدرب المؤقت فقط، لكن النتائج التي صنعها جعلته مصدر فخر الجميع، خاصة الرئيس حمار الذي دعمه بكل قوة، حيث استهل مشواره كلاعب في الوفاق بالضبط كما فعل غوارديولا وفي نفس المنصب تقريبا، أي وسط الميدان، حتى وصل إلى صنف الأكابر، ولعب فيه إلى أن أضحى القائد، قبل أن يغادر إلى شباب بلوزداد، ويعود بعدها، ثم يعتزل ويعود ليحقق ما حققه في موسمين فقط.نهاية مشرفةبإعلانه الاستقالة الأسبوع الماضي قبل مباراة الحراش التي خسر فيها الوفاق على ميدانه وأمام جمهوره بهدف يتيم، غادر ماضوي بعد بيومين فقط إلى السعودية للإشراف على نادي الوحدة الذي سبق أن قال إنه معجب بأداء لاعبيه، وإنه يريد خوض تجربة أخرى خارج الوطن، رغم وجود الهلال والمريخ السودانيين ضمن الراغبين في التعاقد معه، ورغم الحافز المالي الذي قدمه الاتحاد الليبي لكرة القدم الذي طلب خدماته. ليبقى آخر تتويج حققه “غوارديولا الجزائر” مع النسر الأسود هو كأس السوبر ضد شبيبة بجاية في ملعب حملاوي بقسنطينة، بهدف ثمين من إمضاء اللاعب المتألق بلعميري، لتكون الكأس الـ25 في الولاية رقم 25، وتزامنا مع الاحتفال بالعيد الوطني لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، وهي ذكرى جميلة ستبقى محفورة في أذهان المدرب واللاعبين ومحبي الوفاق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات