38serv
يرى المحلل السياسي الجزائري الدكتور زهير بوعمامة أن عدم تغير الواقع اللبناني سيُمكِّن القوى الإقليمية والدولية الكبرى من الاستمرار في استعمال لبنان كساحة لتصفية صراعاتها، ومختبرا لتركيب وإعادة تركيب معادلات إقليمية، مضيفا في حوار مع “الخبر” أن الضحية الأكبر بعد ضحايا هجمات باريس هم المسلمون، حيث ستزداد معاناة المهاجرين الفارين من جغرافيا الموت.ألقي القبض على الشبكة المنفذة لتفجير برج البراجنة في بيروت، والتي تضم 7 سوريين ولبنانيين، ألا تعتقد أن هذا يدل على محاولة ضرب المعارضة السورية لحزب الله في عقر داره؟ بلا شك، نجاح تنظيم “داعش” في تنفيذ عملية بهذا الحجم، إذا صدقنا إعلانه عن تبنيها، في قلب معقل حزب الله بالضاحية الجنوبية في بيروت بلبنان، وإيقاعه لهذا العدد الكبير من الضحايا رغم الترتيبات والإجراءات الأمنية الكبيرة التي تخضع لها تلك المنطقة الحساسة منذ فترة من قبل عناصر حزب الله وقوات الجيش اللبناني، هي رسالة تريد أن تقول إن حزب الله يدفع فاتورة مشاركته إلى جانب النظام السوري في الصراع الدائر في سوريا، وأن تبريره لهذا الانخراط خارج حدود لبنان، دون رضا كثير من الأطراف في الداخل اللبناني، والقائم على فكرة صد الخطر هناك ومنع الحرائق المشتعلة في المدن السورية من الانتقال إلى داخل لبنان لم يعد مقنعا، بل على العكس، وهذا ما سيثير من جديد الجدل السياسي العميق بخصوص جدوى وصوابية خيار حزب الله في إرسال مقاتليه خارج الحدود، على الأقل عند الأطراف التي تختلف معه في الداخل اللبناني وتتبنى مواقف متباينة من الأزمة السورية.هل سيؤثر هذا على التجاذبات السياسية في لبنان، باختيار حزب الله المشاركة مع النظام السوري، والخروج عن السياق العام اللبناني حول عدم التدخل؟ من المعلوم أن المشهد السياسي اللبناني مرتبط بدرجة كبيرة بالأوضاع الإقليمية منذ زمن، وخاصة التطورات في الساحة السورية، وبالنظر إلى حقيقة الخلافات الكبيرة وغياب التوافق بين اللبنانيين أنفسهم، فإن هذا البلد يدفع عادة ثمن التغيرات الدراماتيكية في الساحة الإقليمية. قرار حزب الله المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا لم يكن بالتوافق في الأصل، بل كان مرفوضا من خصوم الحزب اللبنانيين الذين اتهموه بجر لبنان إلى تعقيدات الملف السوري، وهو ما لا يمكن للبلد أن يتحمله، وهو في وضع هش بالأساس، لقد رأينا عودة السجال حول هذا الموضوع رغم إجماع اللبنانيين على إدانة هذه الجريمة البشعة.هل نتوقع المزيد من الهجمات على بيروت الأسابيع المقبلة؟ لا شك أن الجدال سيستمر طالما أن ارتدادات أخرى لإصرار حزب الله على خياره بالاستمرار في القتال على الأراضي السورية لا تزال محتملة، وطالما أن أفق الحل والتسوية للملف السوري لا تزال بعيدة، وعندما يعلن حزب الله بعد التفجيرات أن “حربه ضد الإرهاب ما تزال طويلة”، فهذا يعني تصميمه على المضي في خياراته السابقة، وأنه لن يتراجع، لذلك من الطبيعي توقع عمليات مشابهة في الأيام القادمة، خاصة أن تنظيم داعش انتقل إلى نقل عملياته خارج الساحتين الرئيسيتين العراقية والسورية بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها، يريدون أن يثبتوا أنهم قادرون على التحرك وضرب خصومهم، حتى في ساحات غير تلك التي يتراجعون فيها، أو بضرب الأبرياء عوض مواجهة من يواجهونهم.لأول مرة تستهدف روسيا المسلحين داخل الأراضي اللبنانية. ألا تعتقد بأن ذلك بإمكانه أن ينتج ارتدادات تؤثر في الوضع اللبناني؟ روسيا تستعيد دورا كانت قد فقدته في المنطقة، وهي مقارنة بالقوى الغربية، وأمريكا خاصة، تمر بمرحلة ارتباك استراتيجي كبير، هي الآن تبدي حسما وتوجها هجوميا واضحا في تنفيذ سياسة إعادة الانتشار الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتغيير موازين القوى على الأرض لصالحها وصالح حلفائها، حتى تفرض نفسها من جديد لاعبا رئيسيا ممسكا بمفاتيح أية ترتيبات أو تسويات سياسية و/أو جيوسياسية قادمة في المنطقة، لذلك ليس من المستبعد أن توسع موسكو نطاق عملياتها العسكرية إلى مناطق أخرى في لبنان والعراق، مستغلة 3 عوامل: تداعيات التفجيرات الأخيرة في بيروت ورغبة اللبنانيين في الانتقام ممن يقف وراءها، ووجود إشارات واضحة من الحكومة اللبنانية الحالية بخصوص إمكانية طلب المساعدة العسكرية الروسية المباشرة للتصدي للخطر الإرهابي، وأخيرا الفتور في ردود فعل القوى الغربية على التدخل الروسي، وأحيانا التشكيك في حقيقة النوايا والأهداف من دون قرن الأقوال بالأفعال.ما موقع الدول الكبرى، ولاسيما فرنسا، في الترتيبات السياسية في لبنان، خاصة أن باريس لها مصالح كثيرة في بيروت؟ من المعلوم أن فرنسا (الدولة المستعمرة سابقا) كان لها دور أساسي في تاريخ لبنان في مختلف مراحله، وهي تحتفظ لنفسها بهذا البلد كقاعدة ثمينة للتواجد في المنطقة الغاية في الأهمية، فرنسا تدعم بشكل واضح أطرافا سياسية معينة، المسيحيون الموارنة تحديدا، منذ استقلال البلد، وتوفر ما تعتقد أنه حماية لهم في ظل غياب التوافق السياسي في الغالب بين الأطياف اللبنانية التي تلجأ إلى التحالف مع أطراف دولية وإقليمية للاستقواء بها على خصومها في الداخل، للأسف، وهي معضلة لبنان الذي كان بالإمكان أن يكون نموذجا رائعا في المنطقة وللمنطقة في التنوع الإيجابي والتعايش، وإذا لم يتغير الحال اليوم عما كان عليه في هذا الشأن، فستستمر القوى الإقليمية والدولية الكبرى في استعمال لبنان كساحة لتصفية صراعاتها، ومختبرا لتركيب وإعادة تركيب معادلات إقليمية، قد لا تكون بالضرورة في صالح اللبنانيين أنفسهم.لقد ضيع اللبنانيون قرارهم لصالح الآخرين منذ مدة، لذلك نرى هذا الواقع المر الذي لا يستطيع فيه اللبنانيون أن ينتخبوا رئيسهم، لأن الآخرين لم يقرروا ذلك بعد. إلى أي مدى تؤثر السعودية في تأجيج التجاذبات القائمة بين السنة والشيعة في لبنان؟ هناك هامش فعل واسع تتيحه التركيبة السياسية اللبنانية، والقائمة كما أسلفت على لعبة الاصطفاف السياسي والارتباطات الخارجي، ولاشك أن السعودية موجودة بقوة في الداخل اللبناني، وتمارس نفوذا كبيرا في هذا البلد، من خلال رعايتها للمكون السني بشكل عام (وبعض القوى الأخرى)، ويكفي الإشارة هنا إلى أن الرياض هي التي سمحت بظهور “الحريرية” (نسبة إلى عائلة الحريري) قبل سنوات، ولا تزال تدعمهم، ورغم أن الرياض تحاول تصوير نفوذها ووجودها في لبنان بأنه يهدف أساسا إلى تمكين “الداخل اللبناني” ومنعه من الارتهان تماما في منطق ولعبة المحاور، كما كان متأملا بعد اتفاق الطائف، إلا أنه لا يمكن فصل سياسة الرياض في لبنان عن الخلافات الإقليمية التي اشتدت مع تنامي الدور الإيراني في المنطقة، وتوظيفه للعامل الطائفي كما يعتقد السعوديون، لأجل تحقيق المزيد من المكاسب على حساب الآخرين، ولا شك أن موضوع حزب الله وعلاقته بإيران عامل وازن ومفصلي في استمرار الوجود والدعم السعودي لحلفائها (خصوم حزب الله وإيران) في الساحة اللبنانية. السعودية كما رأينا في الكثير من المحطات تتحكم في شطر هام في المشهد اللبناني وفي القرار اللبناني، بطلب أيضا من الكثير من اللبنانيين، كما يفعل غيرها من الإيرانيين والغربيين. لسوء حظ اللبنانيين، التاريخ والجغرافيا وخيارات ساستهم جعلت قرارهم السياسي يُصنع في كل مكان إلا في الداخل اللبناني.ألا ترى أن التحولات التي تعرفها المنطقة تجعل لبنان في الدرجة الأخيرة مقابل اهتمام أكبر بالملفين السوري واليمني؟ تماما. تعقيدات الملفين السوري ثم اليمني يجعلانهما على رأس قائمة الأولويات، هناك اعتقاد بوجود تفاهمات سابقة بين الأطراف المتقاتلة على تحييد الساحة اللبنانية، رغم صعوبة تحقيق ذلك والالتزام به. بعد قرار حزب الله الاشتراك في القتال إلى جانب النظام في سوريا، أطراف عديدة يهمها ألا تمتد النيران إلى لبنان لأنها إن اشتعلت فقد تأتي على الجميع وتعيد البلد إلى أيام الحرب الأهلية، ولكن بشدة أكبر هذه المرة، نظرا للنفس الطائفي الذي يهب عليه وعلى كل المنطقة، في كل الأحوال كان لبنان دائما يتأثر بما يحدث في جواره، وسيكون لمستقبل المواجهات في سوريا واليمن والتسويات المفترضة انعكاساتها المباشرة سلبا أو إيجابا على مستقبل البلد.ما موقع إسرائيل فيما تعرفه لبنان من انفلات أمني؟ أشك أن إسرائيل كما يعلنه قادتها المستفيد الأكبر من الحرائق التي تسود المنطقة، وهي بلا شك عندي متورطة في إذكائها والحرص على استمرارها لأطول وقت ممكن كي تأتي على الأخضر واليابس، وتنتهي بخصومها وأعدائها إلى أوضاع لا تستطيع فيها أن تعيد بناء نفسها قبل عشرات السنوات، ما يحدث يرفع أرصدة إسرائيل الاستراتيجية ويجعلها مرتاحة جدا، وهي ترى خصومها في دوامة تدمير جهنمية يفقدون خلالها ويوميا قدراتهم التي كان يفترض أن تُصوَّب إليها، دون أن تطلق تل أبيب رصاصة واحدة، إنها كارثة حقيقية تلك التي ضربت المنطقة وجعلت أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة يتقاتلون في حروب عبثية تضعفهم جميعا، وتؤسس لأوضاع جديدة ترهن مستقبلهم وتجعله بيد أعدائهم وخصومهم الحقيقيين، إن لم يستدركوا أمرهم قبل فوات الأوان نهائيا.تزامن اعتداء لبنان مع هجمات باريس. كيف يمكن قراءة هذه الهجمات التي صنفت لأول مرة “عملا حربيا”؟ أتصور أن تصنيف الرئيس الفرنسي لهذه الهجمات الإرهابية على أنها “عمل حربي” لأول مرة، يعني أن الفرنسيين يدركون تمام الإدراك أن عملية بهذا الحجم وبهذه الطريقة لا يمكن أن يخطط لها وينفذها سوى جهة منظمة ومحترفة، حتى وإن أوكلت مهمة التنفيذ إلى عناصر دموية مغسولة الدماغ إلى درجة أن تقبل بأن تتحول إلى مجرد “قنابل بشرية”، جهة لها دراية واسعة وقدرة كبيرة وليست مجرد خلايا نائمة تعمل بشكل منفصل ويتم إيقاظها من حين لآخر. ويبدو أن هذه الجهة حين اختارت فرنسا كانت تقصد 3 أمور لتجعل منها هدفا مفضلا وبعوائد كبيرة: أولا سياسة فرنسا الخارجية وتورطها في المستنقع السوري واليمني دون سواها من الأوروبيين، وهي الأكثر تشددا في موضوع عدم بقاء الأسد مثلا مقارنة مع الآخرين. ثانيا وجود بيئة يمينية متطرفة قوية تتلقف هذه الأحداث وتوظفها في صراعها على السلطة وزيادة استعداء الإسلام والمسلمين. وثالثا وجود جالية كبيرة من المسلمين الذين سيكونون بلا شك ضحايا لهذه الأعمال الإجرامية، من خلال تصاعد مظاهر الإسلاموفوبيا ضدهم وضد المهاجرين من أصول عربية ومسلمة.أتصور أن من قام بهذه الهجمات كان يريد أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وأن يمارس تأثيرا مباشرا على جملة من خيارات باريس الداخلية والخارجية. ما تأثير هجمات فرنسا الدامية على الجالية المسلمة هناك؟لقد رأينا وسمعنا كيف أن خطاب التطرف ومعاداة الآخر عاد للظهور بقوة في الأيام التي تلت الهجمات. وكما كان يحدث في ظروف مشابهة، سيكون الإسلام والمسلمون مرة أخرى للأسف الضحية الأكبر بعد ضحايا الهجومات، وستزداد معاناة المهاجرين الفارين من جغرافيا الموت، وسنرى بطبيعة الحال تصاعد حملات تشويه صورة هؤلاء وتحميلهم مسؤولية هذه الأعمال، بل ومسؤولية كل مشاكلهم، على ألسنة صناع الإسلاموفوبيا وعلى صدر صفحات صحفهم، رغم أن الأغلبية الساحقة من ضحايا الإرهاب في العالم هم من العرب والمسلمين الذين ينبذون هذه الجماعات الدموية التي لا دين ولا قيم لها. صحيح أن وقع الهجمات قوي ومأساوي، ولكن أي معالجات تبتعد عن الحكمة ستصب في نهاية المطاف في صالح الإرهابيين والمتطرفين وأعداء الإنسانية.ألا تعتقد أن اليمين المتطرف، وعلى رأسه زعيمته شديدة العداء للإسلام والمسلمين مارين لوبان، سيكون أكبر مستفيد مما حدث؟ ككل مرة ستعمد مارين لوبان للاستثمار قدر الإمكان في ما وقع، هذه التيارات اليمينية المتطرفة حاضرة بقوة في المشهد السياسي الفرنسي، وفي بعض البلدان الأوربية الأخرى، (عكس ألمانيا لظروف تتعلق بالتاريخ وبالوضع الاقتصادي الأفضل هناك)، وهي تبني خطابها وبرامجها على مقولات استعداء الآخر، ومحاولة الترويج لصور نمطية تظهر العرب والمسلمين تحديدا على أنهم خطر على الهوية الأوروبية وعلى فرص الأوربيين في بلدانهم، وأنهم يجلبون معهم ما لا يتمكنون من التخلص منه من قيم وعادات وتقاليد، بالإضافة إلى المسالة الديمغرافية التي تجعل هؤلاء الفئات الأكثر توسعا في مقابل تراجع أعداد الآخرين. وحين نضيف إلى هذه المعطيات حقائق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها فرنسا ودول أوروبية أخرى، يمكنك أن تتصوري النتيجة، خاصة أن للحكومة الحالية توجهات هي أقرب إلى أطروحات اليمين منها إلى قناعات اليسار التقليدية، مع وجود شخصيات مثيرة للجدل مثل رئيس الوزراء مانويل فالس الذي لا يخفي أفكاره ونظرته القريبة من تلك التي تنادي بها ماري لوبان أو ساركوزي. ومع أنني أستبعد وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا، فإن أفكاره تلقى رواجا متصاعدا وتظهر شيئا فشيئا في سياسات الحكومات الفرنسية على اختلاف ألوانها السياسية، وما لم يعمل العقلاء في كل الأطراف على التهدئة والالتزام بقيم التسامح والعيش المشترك، فإن القادم سيكون صعبا على الجميع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات