38serv
بعد محاولات عدة بمساعدة رجل الأعمال اللبناني المقيم في باريس، انطوان شكر الله منسى، اتصل بي العميد خوري قبل يوم من مغادرتي لبنان، وحدد لي موعدا مع آخر الرؤساء اللبنانيين العماد ميشال سليمان (2008/ 2014)، وذلك في فيلته بمنطقة راقية تدعى عمشيت بقضاء جبيل في محافظة جبل لبنان، والتي تبعد بنحو 50 كيلومترا عن قلب العاصمة بيروت، حيث استقبلني الرئيس اللبناني السابق وقائد أركان الجيش اللبناني الأسبق العماد ميشال سليمان رفقة حرمه في منزله المحاط بإجراءات أمنية مشددة، وكان معه هذا الحوار.فخامة الرئيس، تركتم منصبكم في رئاسة الجمهورية شاغرا منذ 25 ماي 2014، أما كان الأولى انتظار انتخاب رئيس جديد في لبنان، بدل ترك البلاد تسير بدون رئيس ولأشهر طويلة؟ لأن الدستور اللبناني ينص على أنه عند شغور الرئاسة يتولى مهام الرئيس، الوزراء مجتمعون، ونحن نؤمن جدا بتداول السلطة بلبنان، ففي الظرف الذي كانت فيه المنطقة العربية ولا تزال خاصة في سوريا تراق فيها الدماء من أجل تداول السلطة، كان من غير المنطقي أن رئيس لبنان يبقى في السلطة، والدستور كما سبق وأن قلت يحدد من يتولى مهام الرئيس، ولم يكن الظرف مناسبا للتمديد أو لأمر مشابه لذلك، لأننا سنعطي حينها رسالة خاطئة عن ديمقراطيتنا التي نتباهى بها، كما لا أخفيك القول أنني اعتقدت أن خروجي سيدفعهم لانتخاب (الرئيس الجديد) فورا ولكنهم لم ينتخبوا (أحدا).وجود دولة بدون رئيس ألا يعطي رسائل غير مطمئنة للداخل والخارج؟ مثل كل جسم بلا رأس، فالأعضاء تعمل ولكن بدون انتظام، وبشكل عشوائي بعض الأوقات، ويؤثر سلبا على الحياة السياسية وهناك أمور وواجبات لرئيس الجمهورية لا يمكن تعويضها، وحتى الوكيل (المكلف بمهام الرئيس) يستحيل تعويض الرئيس، وهذا ليس متعلقا بصفات رئيس الجمهورية أو صفات الوكيل ولكنها متعلقة بطبيعة المواضيع وخاصة ما يتعلق بالتشريع وقرارات مجلس الوزراء، فرئيس الجمهورية لديه دور كبير جدا، حيث يؤثر في مسار التشريع بحكم صلاحياته، كما يؤثر في مسار قرارات مجلس الوزراء من خلال صلاحياته أيضا.ما الذي يعيق انتخاب مجلس النواب اللبناني لرئيس جمهورية جديد؟الذي يعيق اختيار رئيس الجمهورية هو الذهنية غير الملتزمة بالديمقراطية، وأنا قلت قبل الحين أن أهم مشاكل الديمقراطية هي التداول على السلطة، فالنظام الديمقراطي الذي ينص في صلبه على تداول السلطة لا يعود ديمقراطيا حتى ولو كان انتخابا، بمعنى آخر، يجب أن يكون العلاج من داخل النظام الانتخابي والديمقراطي، يعني أن الرئيس يتولى ولاية واحدة أو ولايتين متتاليتين يبتعد (عن الرئاسة) ثم يعود بعد ولاية أخرى، لهذا السبب نقول أن الديمقراطية تتضمن بذاتها التداول على السلطة، ونحن نتباهى بديمقراطيتنا في هذه المنطقة، وقد دفع دماء كثيرة من أجل هذه الديمقراطية ولا يجوز أن يدفع اليوم دماء من أجل ديمقراطية الآخرين، أو من أجل المحافظة على نفوذهم، أنا هنا أقول أن عدم انتخاب رئيس جديد يعود إلى أن الأطراف (السياسية اللبنانية) تتجاذب حول مواقف سياسية من سوريا ومن القضايا العربية، وكل فريق يعتبر أنه يجب أن يأتي بالرجل الذي يريد حتى يستطيع مواكبة ما يجري في المنطقة العربية وخاصة في سوريا، فربطوا الموضوع (انتخاب الرئيس) بالأمة السورية بشكل أساسي.ما هي آلية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان عند غياب النصاب البرلماني؟ يجتمع المجلس النيابي، ولكي ينتخب المجلس رئيس الجمهورية يجب أن يبلغ النصاب وهو ثلثي أعضاء المجلس، ويتم الانتخاب، لكن المشكلة التي تتكرر، أنه إذا لم يتم الاتفاق على رئيس الجمهورية مسبقا يقوم فريق بتعطيل نظام الثلثين، (يقاطع الجلسة فيكون عدد النواب المجتمعين أقل من الثلثين)، ولكن يجب تفسير هذه المادة الدستورية، فالبعض يقول إن الجلسة الأولى تتطلب الثلثين، فإذا لم يعقد نصابها، ففي الجلسة الثانية لا لزوم للثلثين ويكتفون بالنصف +1، وهنا الخلاف، فالبعض الآخر يقول أبدا، لا ينتخب الرئيس إلا بحضور الثلثين، وهنا الدستور ليس مفصلا، ولكن لو أن صلاحية تفسير الدستور منوطة بالمجلس الدستوري لكان المجلس الدستوري أعطى تفسيرا دستوريا واحدا للجميع لكنهم لم يعطوا لهذا المجلس صلاحيات تفسير الدستور، حيث احتفظ النواب بصلاحية تفسير الدستور، وهذه أكبر مخالفة ديمقراطية تحصل في بلد، لذلك يتعسر انتخاب الرئيس جراء هذا التفسير المتناقض بين الطرفين.ألم تطالبوا بتعديل الدستور؟ اتفاق الطائف هو اتفاق صالح جدا في لبنان، وظهرت فعاليته في هذه الفترة الحرجة التي نمر بها، لأن لبنان لا يضطرب وحافظ على استقراره، في حين أن المنطقة العربية اهتز استقرارها وخاصة سوريا، فلا أحد كان يعتقد أنه إذا اضطرب الاستقرار في سوريا يبقى لبنان في منآى عن الاضطراب الأمني، ولكننا نرى أن الأمور ساءت جدا في سوريا، ولكن لبنان في منآى عن هذه الاضطرابات، هذا يعود إلى العقد الاجتماعي المتمثل في وثيقة الوفاق الوطني التي هي الطائف، ولكن هناك ثغرات في الطائف، فإذا كنا نريد الاحتفاظ بالطائف كعقد اجتماعي، يجب أن ندخل عليه بعض الإضافات لتحصينه، وهذا التحصين يبدأ بالتعديلات الدستورية التي تشمل نقاطا عديدة، ومنها ما أسلفت شرحه عن قضية انتخاب رئيس الجمهورية، ونحن لدينا مجلس دستوري، وقد أقرّ اتفاق الطائف بأن المجلس الدستوري لديه صلاحية تفسير الدستور، لكن المجلس النيابي عندما وضع الدستور اللبناني مرتكزا على اتفاق الطائف حذف هذا البند، وأنا أطالب بإعادته.هل تنوون العودة إلى الحياة السياسية؟آه طبعا، أنا لم أتوقف عن النشاط السياسي، فلديّ لقاءات مع وزراء لبنانيين، ومع نواب وشخصيات ومرجعيات سياسية ودبلوماسية لبنانية، وأنا بصدد إنشاء حركة سياسية أسميناها “لقاء الجمهورية”، سنعلن مبادئها يوم 6 ديسمبر 2015 في قصر المؤتمرات بدبي، على الساعة 11، لكي نعلن ما هي مبادئ هذا اللقاء.من هم الوزراء الذين سيشاركون معكم في تأسيس حزب “لقاء الجمهورية”؟أنا لا أنتظر مشاركة وزراء، ولكن يمكن أن يأتي معنا وزراء على الأقل الوزراء الذين هم دائما إلى جانبي، لأنني أنا من عينّتهم في مناصبهم الوزارية، فهناك ثلاثة وزراء، وزير الدفاع ووزيرة المهجّرين، ووزير الشباب والرياضة، فأنا أسعى ضمن المرجعيات المدنية والمجتمع المدني، فأكثرهم النواب، وهناك أيضا نواب سابقون ووزراء سابقون معي في إعداد هذا اللقاء، و”حزب لقاء الجمهورية”، سيضم كافة الطوائف، وهذا الذي أحاول من خلاله إحداث خرق في الساحة اللبنانية من كافة الطوائف ومن كافة المناطق، فهناك سنّة وهناك شيعة، ودروز ومسيحيين من كافة الطوائف.في ظل عدم اتفاق جماعتي 14 آذار و8 آذار حول تسمية الرئيس الجديد، هل تقدّمون أنفسكم كـ”مرشح الضرورة” كما حدث عندما تم اختياركم رئيسا للبلاد؟لا يسمح الدستور، يجب أن أتغيّب وفقا للدستور ولاية كاملة ست سنوات، لذلك فالدستور لا يسمح وأن أومن بالتداول على السلطة ويجب أن أبتعد الآن، وأساعد من خارج الرئاسة الحكومة الجديدة والرئيس الجديد، ولاحقا حسب الوضع والصحة، فقد أعمل في السياسة وواجبي أن أعمل في السياسة، وأنا أقسمت اليمين الدستورية على احترام الدستور، وبانتهاء الولاية لا ينتهي القسم، ولذلك أنا ملزم على العمل بالسياسة لتعزيز الجمهورية، ولتركيز المبادئ التي أعلنتها خلال ولايتي، ومنها إعلان بعبدا الأساسي الذي توافق عليه كافة فرقاء السياسة من معارضة وموالاة ومن كافة الطوائف والذين أقروا فيه برئاسة يجب أن نحيد لبنان عن صراع المحاور ما عدا القضية الفلسطينية التي يجمع عليها كافة اللبنانيين.بالنسبة لصراع المحاور، ما هو موقفكم من مشاركة حزب الله في “حرب سوريا”؟ هو مخطئ، فأنا ناديته بالانسحاب، وهو (حزب الله) وقّع على بعبدا عندما لم يكن متورطا في الأزمة السورية في الوقت الذي كان آخرون (أحزاب لبنانية) متورطون في هذه الأزمة، ولكنه انقلب على إعلان بعبدا بعد شهر أو شهرين.هل أنتم مع نزع سلاح حزب الله؟نحن لدينا اتفاق بوضع استراتيجية دفاعية للبنان بعد اجتماع الحوار المطولة، وضعت استراتيجية دفاعية بين أيدي المواطنين يقضي بالاستفادة من قدرات المقاومة لمحاربة إسرائيل فقط وليس لمحاربة الآخرين، ومحاربة إسرائيل لا تكون إلا بإمرة الجيش، أو بإمرة رئيس الجمهورية عندما يحتاج الجيش، هذا لغاية تمكين الجيش من العتاد اللازم للقيام بواجبه لوحده وسمعتم بمساعدة لتسليح الجيش من السعودية وهي هبة كبيرة نسبيا (3 ملايير دولار)، وهبة من الولايات المتحدة الأمريكية سنويا، وهناك آخرون يعرضون تسليح الجيش اللبناني، مثل إيران، ونحن ننتظر العرض الجدي، فقد جاء عرض إيراني مختصر، وهناك حظر على توريد الأسلحة من إيران، فإذا انتهى الحظر نسعى أن تعمد إيران لتسليح الجيش ليتولى وحده حمل البندقية والدفاع عن الحدود اللبنانية.هل يمكن للبنان أن يتصدى لأي اجتياح إسرائيلي جديد بدون حزب الله؟طبعا، بإمكان الجيش اللبناني أن يواجه إسرائيل في حرب كلاسيكية وبالشرعية الدولية التي يتمتع بها، ويستطيع أن يواجه بأعمال المقاومة، ومن يقول إنه لا يمكننا كجيش لبناني أن نستعين بالمقاومة، بلى نستطيع أن نعدّ خطة مواجهة للعدو، هم لا يستطيعون (حزب الله) أفضل منا، هم لا يملكون سوى صواريخ فقط، فالجندي اللبناني من نفس الطينة للمقاوم، فهو يقاتل ويدافع ويضحي وشرعيته أكبر بكثير من المقاومة لأنه مشكّل من كل الأطراف، وهو تابع للدولة اللبنانية ويستجلب دعم الدول حين يحصل أي اعتداء.والتنوع الطائفي للجيش ألا يؤثر على تماسكه وفعاليته في الميدان؟ هذه ميزة يتمتع بها الجيش اللبناني المشكّل من عدة طوائف في كافة صفوفه، ضباطا وأفرادا ورتب بأحجام متوازنة تقريبا، واستطاع القيام ببعض المهام التي عجزت عنها بعض الجيوش التي هي من صنف واحد، نحن قاتلنا إسرائيل معا وقاتلنا الإرهاب معا، مسلمين ومسيحيين، نحن حفظنا الديمقراطية معا، وسؤالك مهم، لأن هذا الأمر استدعى تساؤل الدول الأجنبية، وأنا استقبلت العديد منهم عندما كنت قائدا للجيش، حيث سألوني: كيف تستطيع أن تعطي مهاما لهؤلاء العسكريين مع أنهم يأتون من مشارب مختلفة وطوائف مختلفة؟ كيف يحاربون الإرهاب، وكيف يتصدون لإسرائيل؟ وكيف؟ وكيف؟ فقلت لهم: هذا هو السر اللبناني، وطالما أن أهداف الجيش تصب بنسبة 70 بالمئة في طموحات الجندي اللبناني وطائفته، فهو يلتزم بقرارات الجيش، لكن عندما تصبح قرارات الجيش وأهدافه تلبي 10 بالمئة من أهداف بعض المجموعات، فحينها يحصل التمرد والانفصال، وهذا درس مهم، والآن الدولة بلا رأس ولكنني أعتبر أن رأسها هو الجيش.كيف يمكن للجيش اللبناني مواجهة هذا “الغول” الذي عجزت دول عظمى عن التصدي له؟ نحن بحاجة إلى رصّ الصفوف، لا يمكن للإرهاب أن يرسي دولة إسلامية في لبنان، هذا هراء، لأن الطائف شكّل خشبة خلاص للبنانيين، فالإرهاب ليس بإمكانه أن يزرع خلايا إرهابية في لبنان بسهولة، فهو مرفوض في المناطق المسيحية، وفي المناطق الشيعية لا يستطيع، وكذلك في المناطق الدرزية، وحتى في المناطق السنّية لا يستطيع، لأن المواطن السّني اللبناني معتدل، وإذا تمكّن من بعض الأحياء السنّية الفقيرة فهذا يكون بشكل بسيط، ولكن قتل الناس لا يقتل وطنا.خلاف يقسم العرب كما يقسم لبنان، بقاء الأسد أو رحيله، فمع من أنتم؟ قلت لك إن الديمقراطية يجب أن تتضمن بداخلها الحل بتداول السلطة، والرئيس بشار الأسد تولى ولايتين أو ثلاثة، وحزبه وعائلته أيضا، في مطلق الأحوال نحن نرضخ للذي يقبل به الشعب السوري، إذا قبل الشعب السوري بهذا النظام فهو حر ولا نتدخل معه، ولكن أعتقد أنهم غير قابلين باعتماد نظام الانتخاب الحالي، لذلك الخلاص يكمن في تغيير النظام الانتخابي، وتغيير الدستور قبل الإقبال على الانتخاب، وهذا الدستور لا بد أن يتضمن في بنوده تداول السلطة، فأنا أتمنى لسوريا ما أتمناه للبنان، هذا لا يمنع الشعب السوري من انتخاب من يريد، ربما من نفس الحزب، أنا لا أتدخل في هذا ولبنان يجب أن لا يتدخل في ذلك، فما يختاره الشعب السوري نحن معه، ولكن مع تداول السلطة.تقصد عهدتين متتاليتين لا أكثر لكل رئيس؟ طبعا، ولاية أو اثنين أو حتى ثلاثة، ولكن لا ديمقراطية بدون تداول السلطة.الجزائر لعبت دورا أساسيا في التوصل إلى اتفاق الطائف، فما هو الدور الذي يمكن للجزائر أن تلعبه من أجل استقرار لبنان والمنطقة؟أصبت في ذلك، فأنا أتمنى أن تلعب الجزائر دورا في إيجاد حلول للمنطقة العربية ونحن لدينا إيمان كبير بالجزائر، وخاصة بالرئيس بوتفليقة الذي أعتبره من أفضل الرؤساء العرب ولديّ صداقة معه ومررت في أحد المناسبات بالجزائر واستقبلني بحفاوة كبيرة، وكنت ألتقي به دوما في المنتديات الدولية وهو رجل عاقل، وحاكم رشيد، واع، ويمكنه أن يلعب دورا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات