قال تعالى مخاطبًا نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم: “فَلَا وَربُّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” النّساء:65. يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة، أنّه لا يؤمن أحد حتّى يحكم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ، لأنّه “لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى”.نعم فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا لئلّا يكون المؤمن في صراع مع ملكاته، ولهذا قال تعالى: “ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، والمراد بذلك كما قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا ممّا حكمتَ به.. فالقلوب السّماوية يزيدها الحكم النّبويّ إشراقًا على إشراق ونورًا على نور وانشراحًا على انشراح. فهذه من علامات اصطفاء الله لعبده وقبول توبته وإنابته.. قال جلّ ذكره: “فمَن يُرِد الله أن يَهْدِيَه يَشْرَح صدرهُ للإسلام ومَن يُرِد أن يُضلّه يَجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنّما يصعّد في السّماء” الأنعام:125. وبعبارة أخرى يرضون بك يا رسول الله، حكمًا بينهم ويرضون بحُكمك لهم أو عليهم ثمّ يرضون به في بواطنهم، فيسلـمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة لا مدافعة ولا منازعة ولا ميل إلى أدنى وسوسة كما ورد في الحديث الصّحيح عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لمَا جئتُ به”.فهذه درجة الكاملين أهل اليقين الرّاسخ والحبّ الشّامخ الّذين مدحهم ربّهم بقوله: “إِنَّمَا الْمُوْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ” الحجرات:15، وما سواهم من ضعفاء الإيمان الّذين لم يتحرّروا بعد من ربقة شهواتهم ولم يخرجوا بعد من غياهب الأنا ورؤية سوى الله في الوجود.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات