38serv
قال القيادي والنائب البرلماني عن حركة “نداء تونس”، خالد شوكت، إن التحدي الإرهابي حقيقي، ويقتضي شراكة إقليمية ودولية متينة في الحرب عليه، وأرجع ما يحدث في “نداء تونس” إلى فقدان خاصيتين: تجمّعه حول شخصية كاريزمية ممثلة في الباجي قايد السبسي، وتحوله من حركة معارضة ضد حكم “الترويكا” إلى تولي الحكم، وأوضح في حوارمع “الخبر” أن تلاشي وغياب ليبيا الدولة والتنازع الداخلي “يجعل رؤيتنا للوضع الداخلي في ليبيا غامضة ومعتمة”.ما الذي يفسر تفاقم الأزمة داخل حركة نداء تونس؟ تأسست حركة “نداء تونس” في 2012 باعتبارها امتدادا للحركة الوطنية والإصلاحية التونسية، خصوصا تلك التي خاضت غمار حركة التحرر الوطني ضد المستعمر وبناء الدولة المدنية الحديثة، وتأسست في سياق أزمة المشروع الديمقراطي الناتجة عن تحكم الإسلاميين في المشهد السياسي بعد الثورة، وجاءت الحركة لإنقاذ المشروع الديمقراطي من خلال تحقيق التوازن السياسي في المشهد، وقامت على خاصيتين: أنها تجمّع قام حول شخصية كاريزمية ممثلة في الباجي قايد السبسي، والثانية أنها حركة معارضة ضد حكم الترويكا.وبعد الانتصار الواسع للحركة في أواخر 2014، فقدت هاتين الخاصيتين، فقايد السبسي أصبح رئيسا للجمهورية ولم يعد رئيسا للحركة، والحركة أصبحت في الحكم، وبالتالي لم تعد حركة معارضة ضد الترويكا، هذا دفعها إلى بناء نفسها من جديد في حالة مخاض ثانٍ، وهذا المخاض قائم على أمرين: تحويل الحركة إلى حزب بالمعنى المؤسساتي للكلمة. وثانيا وإعداد الحركة لمواجهة الاستحقاقات القادمة الانتخابية باعتبار أن تونس تستعد في أواخر 2016، لمواجهة انتخابات بلدية ومحلية، وهذا يقتضي أشهرا من الإعداد لا يمكن أن يقوم به إلا حزب لديه مؤسسات وقيادة قوية وشرعية ووثائق توجيهية يعتمد عليه في جميع المجالات.لماذا فشلت كل مساعي التقريب بين المواقف المتباعدة في الحركة؟ لا يمكن القول إن هذه المساعي فشلت، فما زلنا بصدد هذه المساعي ونتطلع لحفاظ الحركة على وحدتها في إطار التنوع، ولا زلنا نبحث عن الصيغ التوافقية التي تمكننا من الحفاظ على كتلتنا البرلمانية، والتي تمكننا من الحفاظ على حظوظنا في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وعليه فمن المبكر القول إن هذه المساعي قد فشلت نهائيا.ماذا الذي تحقق في نداء تونس حول الدور التحكيمي والاستشاري للرئيس السبسي؟ هذا مثير للاستغراب فعلا، لأن الرئيس المؤسس قايد السبسي شخصية محورية في تاريخ حركة نداء تونس، ولعب دورا مهما في بناء هذه الحركة وفي تحقيق انتصاراتها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وربما هناك تقدير لدى بعض الإخوة بأن قايد السبسي قد ينحاز إلى ابنه باعتبار القرابة الدموية، ولكن هذا في تقديري ينبع عن جهل بشخصية باجي قايد السبسي باعتباره شخصية سياسية تساهم في الحياة العامة منذ عقود عامة، وكانت أول شخصية سياسية تطالب بالإصلاح السياسي وبالديمقراطية، فعقليته أبعد عن هذا المنطق الرجعي. والبعد الثاني الذي غاب عن هؤلاء أنه بعد أن انتصرت الديمقراطية لا يمكننا العودة إلى العادات والأساليب القديمة البالية، فنظامنا جمهوري ديمقراطي يعتمد أساسا على صناديق الاقتراع في تحديد القيادات السياسية، ولا يمكن أن يعتمد على التوريث، وهذا نظام الملكيات والجملوكيات، ونحن لسنا ملكية ولا جملوكية.ألا تعتقد أن الخلافات التي خرجت إلى العلن داخل الحركة لا تؤثر في الحزب فحسب، بل تهدد بتقويض المسار السياسي الناشئ، ناهيك عن فقدان الحركة للأغلبية البرلمانية؟ نحن واعون بحجم المسؤولية الكبير الملقاة على عاتقنا، ونعتقد أننا عملنا ما أمكننا على النأي بمؤسسات الحكم عن التجاذبات والصراعات الداخلية والحزبية، وعملنا ما أمكننا على إبقاء أزمة نداء تونس في نطاق حركة نداء تونس، وأعتقد أن المسار الانتقالي محصن إلى حد كبير، من خلال طبيعة النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يضمن درجة من الاستقرار واستمرارية المؤسسة، بصرف النظر عن التقلبات الحزبية داخله، وأيضا تكليف شخصية مستقلة غير حزبية لرئاسة الحكومة تحظى بأغلبية مريحة يجعلها بمنأى عن أية تهديدات، ومسؤولية السلطة التنفيذية بين يدي الحكومة ورئيس الجمهورية المنتخب لمدة 5 سنوات، والذي لا يمكن أن يؤثر على وظيفته أي خلاف مهما كان حجمه، ومن هنا فإن النظام السياسي للجمهورية الثانية ودستور الجمهورية الثانية حاول تحصين مسار الانتقال الديمقراطي وإبعاده ما أمكن عن أية هزات ممكنة في بلد يعيش تحولا ديمقراطيا ما أمكن.نداء تونس وحركة النهضة يقودان تحالفا حكوميا، هل يمكن للأزمة أن تؤثر على أداء حكومة الصيد؟ أعتقد كما أشرت أن هذه الحكومة تحظى بأغلبية مريحة، بـ217 نائب لا يعارضها إلا مجموعة من 35 نائبا، ولهذا فإن أي مجموعة قررت الانسحاب للمعارضة لن تجعل الحكومة تسقط، فهي لا تحتاج إلا لـ109 مقعد لكسب الشرعية وتمرير القوانين، والحكومة تتمتع بأكثر من ذلك بكثير، لذا نعتقد أن العمل الحكومي بمنأى عن هذه الهزات، ومؤسسات الدولة بشكل عام بمنأى عن هذه الهزات أيضا، وحالة المخاض التي تعيشها حركة نداء تونس طبيعية لمن درس حركة نداء تونس كحالة سياسية، وأعتقد أنها جزء من سعي تونس لخلق مشهد حزبي ديمقراطي مدني حقيقي، لأنه لم تكن هناك فرصة قبل ذلك مع ولادة أحزاب ديمقراطية ناشئة بعد الثورة وقيادتها، وبدأنا تجربة ونأمل في أن ننجح في ذلك.إذن لن نشهد تغيرا في الحكومة في الأيام القادمة؟ لا. التغيير في الحكومة بيد رئيس الحكومة، ويعود لتقييمه لأداء أعضائه في الحكومة وإلى برنامجه الحكومي وإلى الأهداف التي يتطلع إلى تحقيقيها. لذا لن يكون لها علاقة بالأزمة الداخلية لحركة نداء تونس.لكن سبق لكم أن وجهتم انتقادات لأداء حكومة الصيد رغم أنها منبثقة من أغلبية البرلمانية لنداء تونس ما مرد ذلك، وهل لازلتم على مواقفكم بأنها غير قادرة على مواجهة التحديات؟ نحن وجهنا النقد للحكومة في بدايتها من باب المساندة النقدية، لأنا أردناها أن تحمل مشروعا إصلاحيا وطنيا كبيرا تحتاجه البلد، فالبلد حقق ثورة سياسية ويحتاج لضمان واستمرار مشروعه الديمقراطي لثورة تنموية اجتماعية وديمقراطية، ولهذا كان علينا منذ البداية أن نساعد الحكومة برؤيتنا النقدية الإيجابية التي تطلعت إلى مساعدتها في الاتجاه الصحيح، كما صوتنا في إطار التضامن والانضباط الحزبي على المشاريع القانونية التي تقدمت بها، ولم نخالفها ولو مرة واحدة، من باب “الدين النصيحة”.أثير جدل حول زيارة حافظ السبسي إلى تركيا وقطر والقرب من عبد الحكيم بلحاج. ما خلفية ذلك وما رؤيتكم للاتهامات بالسعي إلى “أسلمة” الحزب أيضا؟ أعتقد أنه من باب التراشق بالتهم التي لا أصل لها في الواقع، فشخصية حافظ السبسي بعيدة تماما عن الجماعات الدينية والأفكار ذات الطبيعة الإخوانية، فحافظ السبسي أحد قيادات حزب نداء تونس ومرجعيته مرجعية وطنية إصلاحية ديمقراطية مدنية، وهدفه المساعدة والمساهمة مع آخرين في بناء حزب مدني وطني ديمقراطي ينسجم مع الهوية الوطنية لشعبنا وبلدنا. وزيارته الإقليمية تندرج في إطار الدبلوماسية الحزبية، ونستغرب مثل هذه المواقف، فأردوغان نفسه يعلن بأنه علماني، فكيف سيُؤخون؟ فهل ننتقد من يذهب إلى تركيا أو بلد عربي ولا نجد غضاضة فيمن يذهب إلى أمريكا وفرنسا وألمانيا؟ هذه مفارقة في التفكي.. نحن حريصون على علاقات جيدة وطبية مع الجميع، ومع كافة أشقائنا وأصدقائنا، ولكننا لا نسمح بهذا النوع من الاتهامات التي لا تساعد على البناء ولكن تعمق الهوة بين الإخوة والأشقاء.كيف ينظر نداء تونس إلى التحدي الأمني في تونس مع استهداف الإرهاب له، وما السبيل إلى مواجهته؟ نحن نقول بداية إن من حظ تونس أنه لا حاضنة للإرهاب فيها، أي لا حاضنة شعبية لها، بدليل أن الجماعات الإرهابية تتحصن في مناطق جبلية وعرة ومعزولة عن الساكنة، وإذا أرادت أن تتزود بالطعام فإنها تبادر بالهجوم والاعتداء على الساكنة بالغصب، ونعتقد أن الفكر الديني الوسطي المعتدل متأصل في تونس، وأن الجماعات الإرهابية وأعضاءها عادة ما يشعرون بالغربة في تونس، لذلك يلجئون إلى مناطق أخرى فيها حواضن للإرهاب، فالتفسير لذهاب الإرهابيين التونسيين إلى سوريا والعراق هو كونهم يشعرون بالغربة، لا يستطيعون أن يفرضوا في جهة ومنطقة معينة نظامهم كما يفعلون في مناطق ودول أخرى. ثانيا، نحن نأخذ المعطى الإرهابي بجدية، ونعتبر أنه المهدد رقم واحد للمشروع الديمقراطي الذي يواجه تهديدين: الأول الإرهاب، والثاني هو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أي التحدي التنموي، فنحن نرى أن التحدي الإرهابي حقيقي، إقليميا ودوليا، ويقتضي شراكة إقليمية ودولية متينة في حربها، وأكدنا على أهمية وأولوية العلاقات الجزائرية التونسية، باعتبارها الضامن والآلية للانتصار على هذه الجماعات الظلامية، فتعاوننا مع الشقيقة الجزائر استراتيجي ونعول عليه كثيرا في الانتصار على هذه الجماعات وللانتصار للمشروع الديمقراطي.هل من اتفاقية أمنية جزائرية تونسية مفعلة؟ لقد قام رئيس الحكومة بزيارة مؤخرا إلى الجزائر بصورة رسمية والتقى بالأشقاء الجزائريين، ومنهم الوزير الأول، ووقعوا على العديد من الاتفاقيات في جميع المجالات، ونحن نحيي الجزائر على وقوفها بجانب المشروع الديمقراطي التونسي ومع الحكومة والدولة التونسية في مواجهة كافة التحديات، فقد وجدنا دائما أيادي مفتوحة من أشقائنا الجزائريين وتضامنا دائما في مواجهة كافة أزماتنا، لذلك نحن متشبثون بالعلاقة مع الشقيقة الجزائر، وهي علاقة مستدامة تخدم المشروع المغاربي الذي نطمح إلى تحقيقه.بالنسبة للعلاقة بين تونس وليبيا، نلاحظ وجود تشنج واتهامات متبادلة بدعم الإرهاب، وموقفا تونسيا داعما لحكومتين وبرلمانين. كيف ترون ذلك؟ نحن نتمنى أن يكون هناك ليبيا لتغضب علينا، ولكن بالنسبة لنا ليس هناك مشكل، الإشكال أنه في ليبيا الدولة تلاشت وغابت، وهناك تنازع داخلي يجعل رؤيتنا للوضع الداخلي في ليبيا غامضة ومعتمة، نحن نحاول أن نجمع بين التزامنا بالقانون الدولي والشرعية الدولية وبين الواقعية السياسية، فقد كانت هناك حكومة في طبرق هي المعترف بها دوليا، ونحن ملتزمون دوليا وأمميا وقانونيا بالأمر، وفي نفس الوقت كان هناك حكومة في طرابلس نتقاسم معها حدودا مشتركة ومصالح مشتركة، وأغلب التونسيين المتواجدين في ليبيا متمركزون بالجهة الغربية المحاذية لنا، وأغلب مصالحنا بالمنطقة الغربية، وبالتالي فإن تعاملنا كان المحدد فيه أولا الشرعية الدولية والواقعية السياسية، والأخوة التي تجمعنا مع ليبيا تاريخيا، والرغبة في المساعدة دون التورط في الصراعات الداخلية، لأن أول مبدأ للسياسة التونسية كما هو معلوم، هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والأشقاء.ومع ذلك وقع مشكل فيما يتعلق بمسألة المختطفين التونسيين في ليبيا.. لدينا التزام تجاه المنظومة الأممية والدولية يجبرنا كدولة على احتجاز واعتقال كل شخص مبلغ عنه دوليا مثل الإنتربول، ولكن الوضعية الضبابية التي تعيشها ليبيا والتجاذبات بين الحكومتين ووجود جيوب كثيرة وإمارات متناحرة وجماعات مسلحة جعلتنا في حرج، ما دفعنا بمنع دخول أي مبلغ عنه من قبل الشرطة الدولية إلى تونس وإرجاعه من حيث أتى، حتى لا يقع احتجاز أو قتل مواطنين تونسيين.هناك من يعتبر القانون الخاص بالمصالحة تبييضا للفساد. كيف تردون على ذلك؟ تعرفون أنه لا يمكن لدولة أن تعيش تحولا سياسيا وتغييرا دستوريا كبيرا، كالذي نعيشه نحن منذ 2011، إلا صاحبه مسار للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ولكم تجربة في الجزائر، وقد عانت الجزائر للخروج من السنوات السوداء، ولبناء مشروع سياسي جديد.وعندما لاحظ رئيس الجمهورية بأن مسار المصالحة الوطنية التقليدي وجد صعوبات ولم يتحرك، ولحرصه على تطبيق الدستور وباعتباره مساهما للمشروع الديمقراطي، بادر بطرح مشروع للمصالحة الاقتصادية لمساعدة الاقتصاد التونسي للخروج من أزمته وتفعيل الاقتصاد التونسي، وإعادة عدد كبير من الرأسمال الوطني إلى مجال العمل، والمساهمة في إطار يضمن كل الشروط للمصالحة الوطنية بالكشف عن الجرائم المرتكبة والمحاسبة ثم جبر الضرر والمصالحة، وأركان المصالحة متوفرة في المبادرة الرئاسية، ونحن نحاول تثبيت القانون وأن ننفتح على أكبر قدر من اقتراحات التعديل من الأطراف المعنية، والوصول إلى لصيغة مرضية لأكبر قدر من الأطراف المعنية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات