38serv
في 9 ديسمبر 1987، هبّ الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة في انتفاضة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، متخذين من الحجارة سلاحا لمواجهة جيش مدجج بالأسلحة. انتفاضة الحجارة أو انتفاضة المساجد، لقد سميت هذه الانتفاضة بهذين الاسمين لأن الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها، ولأن شرارتها الأولى انطلقت من المساجد في قطاع غزة، والانتفاضة شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري بالمخيمات الفلسطينية المحتلة التي عانت من وطأة القمع الصهيوني الهمجي.انطلاق الشرارة الأولى لانتفاضة الحجارةلقد بدأت الانتفاضة الأولى في التاسع من ديسمبر عام 1987م، وهدأت في العام 1991، وتوقفت نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو الهزيلة الظالمة للشعب الفلسطيني، بين سلطات الاحتلال الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993م، حيث مثّلت هذه الاتفاقية ضربة عظيمة وخنجراً مسموماً زرع في خاصرة تضحيات الشعب الفلسطيني الصامد.ولقد استخدم مصطلح “انتفاضة” لأوّل مرّة لوصف الثورة الشعبية الفلسطينية في أول بيان صدر عن حركة حماس تم توزيعه لأول مرة في غزة يوم 11 ديسمبر 1987م، وأطلق البيان لفظ “الانتفاضة” على التظاهرات العارمة التي انطلقت، وقال البيان “جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته، ولتوقظ ضمائر اللاهثين وراء السّلام الهزيل، وراء المؤتمرات الدولية الفارغة”.وقد دخل هذا المصطلح ميدان الصحافة العربية والأجنبية التي تناقلته بلفظه العربي، كما تواردته ألسنة المحللين والمؤلفين حتى في داخل الوسط الصهيوني، حيث ألف الصحفيان زئيف شيف وإيهود ياري كتابا عن هذه الفترة التاريخية وأسمياه “انتفاضة”.الأسباب المباشرة والبعيدة لانتفاضة الحجارةفي 8 ديسمبر 1987م، دهست شاحنة صهيونية يقودها صهيوني من أشدود سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا كانت متوقفة في محطة وقود، ما أودى بحياة 4 أشخاص وجرح آخرين، وقد اكتفت الإذاعة بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المماثلة، وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد صهيوني تم طعنه قبل يومين حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة، فاعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد.في اليوم التالي وخلال جنازة الضحايا، اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الصهيوني بجباليا، فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود، وأمام ما تعرض له من وابل الحجارة وكوكتيل المولوتوف، طلب الجيش الصهيوني الدعم، وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة، ولكن هذه الحادثة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الانتفاضة اندلعت بعد ذلك لتضافر عدة أسباب.فشل الجهاز القيادي الصهيونيولقد مثلت الانتفاضة الأولى فشلاً للجهاز القيادي الصهيوني الذي لم يكن منتبها إلى الغليان الفلسطيني، بالرغم من التحذيرات التي أبداها عدد من السياسيين الصهاينة، وانتقص قادة الاحتلال من شأنها، حيث اجتمع عدد من العسكريين في موقع جباليا الذي هاجمته الحشود الفلسطينية خلال الجنازة، وأمام حجم حركة الاحتجاج طلب الاحتياطيون الدعم، لكن المشرف على الإقليم رد بأنه لن يحصل أي شيء، وبأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في الغد، ولم يتم القيام بطلب أي دعم أو إعلان حظر تجول، لكن الاضطرابات لم تهدأ في اليوم الموالي، ورفض أغلب السكان التوجه إلى أماكن عملهم، كما قام طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بالتجول في الشوارع داعين الناس إلى الثورة، وقد اشتعل فتيلها بالفعل.في اليوم الثالث للانتفاضة، توجه إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك إلى نيويورك، دون أن يأخذ أي إجراءات لمواجهة الانتفاضة، لكي يضع الأمريكان في صورة الوضع، ولما عاد أعلن خلال كلمة له في الكنيست الصهيوني “سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، وسنكسر أيديهم وأرجلهم إذا وجب ذلك”.العالم يتعاطف مع الفلسطينيينوصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها في شهر فيفري عندما نُشرت صور لجنود صهاينة يضربون فلسطينيين، ودارت تلك الصور حول العالم، ما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين، أما سلطات الاحتلال الصهيوني فقد اعتمدت سياسية الإيقاع بين الفصائل الفلسطينية، وفي نهاية المطاف فشل جيش الاحتلال في مواجهة أطفال الانتفاضة، واستنجد بحرس الحدود من أجل إخماد الثورة الشعبية. “المناشير” والكتابة على الجدرانوقد كانت أكثر الطرق التي يتم من خلالها التواصل والدعم بين الناس والمقاومين ورجال الانتفاضة، المناشير والكتابة على الجدران، حيث كانت توزع المناشير عند مداخل المساجد من قبل أطفال لم تكن أعمارهم تتجاوز السابعة، أو يتم إلقاؤها من نوافذ السيارات قبل طلوع الشمس ويتم تمريرها من تحت الأبواب.وجاء توزيع المناشير كشكل من أنواع الإعلام البديل بسبب تشديد دائرة الرقابة على الوسائل الإعلام التي لم تستطع الوصول إلى الرأي العام الفلسطيني، وأيضا مضايقات واعتقال للصحفيين، بالإضافة إلى قيام الاحتلال باتباع سياسة تعسفية من خلال الضرب والإيقاف من دون المحاكمة والتعذيب، إلى جانب إغلاق الجامعات والعقوبات الاقتصادية وبناء المستوطنات، ومازالت هذه الممارسات مستمرة حتى يومنا هذا.أما الكتابة على الجدران فقد كانت هي الأخرى وسيلة مهمة يعلن من خلالها ملثمو الانتفاضة عن الإضرابات والمناسبات، وإعلام المواطنين بالأمور والتطورات، والإعلان عن العمليات..حركات إسلامية في الداخل الفلسطينيلم تندلع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 فجأةً، في ديسمبر 1986 استُشهد الناشطان في حركة الإخوان المسلمين صائب دهب وجواد أبو سلمية برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال مسيرةٍ نظّمها طلبة جامعة بيرزيت، وقد أسهم استشهاد صائب وجواد في قرار حركة الإخوان المسلمين في الأراضي المحتلة تأسيس حركة “حماس”.في أوائل الثمانينيات بدأت حركات سياسية تتشكل على غرار حركة الجهاد الإسلامي، ويقول القيادي في الحركة نافذ عزام إن تلك السنوات كانت صعبة بالنسبة للفلسطينيين، لأن الأمور كانت تتجه نحو المفاوضات والتسويات.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات