انتفاضة الحجارة.. ذاكرة الفلسطينيـين الحيـّة!

38serv

+ -

 ثورة شعبية على المحتل الإسرائيلي شارك فيها أكثر من نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وكذا القدس المحتلة، ليقع 120 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح وأسير. هي انتفاضة الحجارة التي بدأت عام 1988، وسخر المحتل 80 ألف جندي لكبحها، واستخدم فيها كل أنواع التنكيل كتكسير العظام وتفجير البيوت.بعض من صور الذاكرة تعيده الأيام للعقول الفلسطينية التي تألقت في مواجهة المحتل، فالحجر الذي كان يُلقى على دورية للصهاينة بات صاروخا يدك مدنهم ويقطع عشرات الكيلومترات، ما يعزز ثقافة أرادت عملية التسوية طمسها وتطبيع العلاقات مع الكيان، فأتت الرياح بما لا تشتهيه تلك التسوية بصواريخ السِّجِّيل وما بعدها. وبسماعك لأحاديث وروايات كبار السن ممن عايشوا الانتفاضة، تجد أن ديمومتها بل وتطورها وتأثرها راجع لما فيها من خيوط متشابكة عسكرية وأمنية.يقول المواطن أبو سليم من الخليل “كنت من بين الشبان المنضمين في صفوف حركة حماس، حيث كنا نسمي الخروج في مهمة رشق حجارة أو كتابة شعارات أو عرض عسكري (طلعة)، وهذه الطلعة تكلف من التخطيط والإجراءات الكثير، حيث كانت هناك مجموعات ترصد المنطقة التي سيكون فيها النشاط ومجموعة تؤمن خلفنا”. وأضاف “كان فينا صاحب الخط الجميل، وفينا المتدرب وصاحب اللياقة، وآخر يبدع في دق الطبول، وغيره من المتسلقين على الجدران، كأننا خلية نحل، نعلن الإضراب العام ونخط البيانات على الجدران ونلقيها في السماعات اليدوية”.من جانبه أشار المواطن أحمد حسن “كان للملثم دور مهم في الحياة اليومية، فهو بمثابة المحافظ لتلك المنطقة أو القائد يحدد مع رفاقه وإخوانه السلوك اليومي بحسب الأجواء السياسية”. وبين أن الإضراب الشامل وإشعال الإطارات وإغلاق المحلات التجارية والتصدي للجنود في المواجهات وإلقاء الحارقات صوب العملاء والدوريات الصهيونية، كلها نشاطات يومية مرهونة بشخصية محبوبة بين الجماهير وهو “الملثم”.ويتحسر الفلسطيني محمد الهمص على تلك الأيام قائلا “رغم صغر سني في انتفاضة الأقصى المباركة، إلا أنني شهدت الحجارة والأحزمة الناسفة، عمري 25 عاما، أنني ولدت بعد انتفاضة الحجارة بعام واحد ولم أعرف عنها إلا من الصور والفيديوهات وحديث أهلي لي، واليوم بفضل الله عز وجل رأيت صاروخ 75M يقصف أهداف الاحتلال في القدس والداخل المحتل، فكان هذا صدى الحجارة التي لم أرها”.سياسة تكسير العظام وتدمير البيوتوبعدَ أيامٍ من خطاب رابين في 26 فبراير 1988، قام الجنودُ الإسرائيليون بتكسيرِ عظام وائل جودة وابن عمه أسامة (17 عاماً) بالقُربِ من تل بلاطة في مدينةِ نابلس.وقال وائل جودة ضحية لسياسة تكسير العظام “كُنا سارحين بالغنم في الجبل، وتفاجأت في الجنود اشي كان يضربني برجله واشي يصيح، طبعاً كانوا يحكوا باللغة العبرية وأنا يعني ما بفهم اللغة العبرية سوى حاجة عالقة في ذهني من أحد الجنود، أنه كان مكتوب على الطُبزية تبعته وكان معناها أنه أنا وُلدتُ لأقتل الفلسطينية”. وأضاف “لازلت أذكر ما قاله لي: إنكم ميتون”.وبحلول 8 مارس 1988، عمّت الانتفاضةُ قِطاعات المجتمع الفلسطينيِّ كافةً، وفي القدس كما في كُلِ مكان شاركت النساء من مُختلفِ الأعمار مع الرجال في الانتفاضة.وتستذكر رندا جابري بشارع صلاح الدين “هُنا لما رشونا بالغاز، والغاز كان في خراطيم مش يضربوا مثل اليوم قنبلة الغاز، فيرشوا بشكل جماعي، وأُمي تعرضت بس كانت أقوى مني، أنا ما تحملت أُغمى علي حمّلوني على المُستشفى”.وكانت المُخيماتُ في الضفة الغربيةِ وقطاعِ غزة، لِتلاصُقِ منازلها وضيقِ شوارعها، مكاناً مثالياً للاحتكاك مع جنود الاحتلال وضربهم بالحجارة.ويتحدث الثائر الفلسطيني ناصر أبو ريش عن بشاعة قوات الاحتلال قائلا “هداك اليوم اللي مسكونا فيه شبحونا مغميين مكلبشين مرميين على الأرض وبضربوا فينا، أنا قرأت تُهمتي أني رجّمت حجار هذه أول تُهمة، هم كانوا ايش يعني يحطوها لأي لبني آدم، أنت في موقع الحدث فأنت كنت تطبش حجار فإحنا مسكناك فأنت ايش طبشت حجار”.تكررت اعتداءاتُ المستوطنين على الفلسطينيين خصوصاً في القرى، فسرقوا المواشيَ وقطعوا وأحرقوا الأشجار.ويروي الناشط الفلسطيني ساري حمايل “دخلوا المستوطنين من الجهة الشرقية لبيتا، كان الليكود المجموعة المستوطنين اسمه الدوبي، دخل من الجهة الشرقية على القرية، كانوا مسلحين أسلحتهم عوزي و16M، فطبعاً يوم ما دخلوا أجو على الشباب، وكان موسم حراث زيتون وتزبيط في الأرض وتسهيل، أجو على أول واحد عملوا معه مُشكلة، أطلقوا عليه النار مُباشرةً، طبعاً نقلوه على المُستشفى توفي بالطريق”.واستُشهد موسى أبو شمسه ابنُ 19 عاماً، وفي اليوم ذاته قُتلت المستوطنة تيرزا بورات ابنة 15 عاماً، وحسب الشهود ناشدت تيرزا المُستوطن رومان الدوبي ليتوقف عن إطلاق النار لكنهُ قتلها، ولا يُعرفُ هل كان ذلك قصداً أم بالخطأ.اتهمت إسرائيل الفلسطينيين بقتل الفتاة وطالب وزراءُ إسرائيليون بمحو قريةِ بيتا عن الخريطة، وأثبت تشريح جثة تيرزا أن سلاحَ المُستوطن الدوبي هو الذي قتلها، لكن ذلك لم يمنع الجنود الإسرائيليين من مُهاجمةِ قرية بيتا.وفي ذات اليوم الذي ثبت فيه أن لا أحد من الفلسطينيين قَتَل المُستوطنة الإسرائيلية، كان الجيشُ قد دمّر 14 بيتاً في بيتا، واعتقل 200 فلسطيني وأبعد 8 من نُشطاءِ المُقاومة.ولم يسلَم حمايل من يدِ الاحتلال، فقد كان بيته من بين البيوت التي دمّرها الجيش، ليس ذلك فقط بل اعتُقل وتم إبعاده، اختبأت زوجتهُ الحامل سائدة هي وبناتها حتى لا يتم اعتقالُهن، بحثَ الجيش عنها في كُلِ بيتٍ في بيتا.وخلال السنوات الثلاث الأولى للانتفاضة، تم هدمُ أكثر من 240 منزل فلسطيني. ولم يعتقلِ الجيشُ شبابَ الحجارة والناشطينَ فقط، بل طال الاعتقالُ أشخاصاً ليس لهم أيُّ علاقة بالتظاهرات، عيسى فالح كان واحدا منهم، وكان عُمرهُ 19 عاماً عندما اُعتقل عام 1988.مسلسل اغتيالات القيادات الفلسطينيةفي يوم 16 أفريل 1988، قامت خليةٌ إسرائيلية باقتحام منزل خليل الوزير أبو جهاد في العاصمة التونسية واغتياله.لم يُدرك قادة العرب في بادئ الأمر أهميةَ الانتفاضة، لكن بحلول السنة الثانية لم يستطع أحدٌ تجاهُلَ الحراك الشعبيّ الفلسطينيّ التوَّاقِ إلى الحُرية، في نهاية يوليو 1988 قرر الأردن فك ارتباطه بالضفةِ الغربية الذي بدأ سنة 1950. وبينما كان الفلسطينيون في الأراضي المُحتلة يواجهون الاحتلال، أعلن ياسر عرفات في الجزائر القَبولَ بقرار مجلس الأمن رقم 242 ودخلت انتفاضة الحجارة مرحلة جديدة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: