"أبو القاسم سعد الله مثقف أضاعه قومه"

 يعتقد الدكتور محمد أرزقي فراد، أن كتاب المؤرخ بلقاسم سعد الله “تاريخ الجزائر الثقافي” يعد بمثابة واسطة العقد لموسوعته التاريخية التي خصّ بها بلده الجزائر. وتساءل الدكتور فراد قائلا: “فلماذا نحا هذا النحو؟ ولماذا لم يكتف بالتاريخ السياسي الخاص بقيام الدول وسقوطها، وتداول الملوك على سدة الحكم عبر الأزمنة؟ هل فعل ذلك لاقتناعه بأهمية الفعل الثقافي في التعبير عن الهوية والشخصية؟ وهل تأثر الدكتور بلقاسم سعد الله بتجربة جمعية العلماء، التي ركزت في محاربتها للاستعمار الفرنسي على النهضة الفكرية المركزة على بعث اللغة العربية والإسلام الصحيح، والتاريخ العريق؟  وعلق الدكتور فراد: “مهما كان الأمر، فإنه ليس من الإسراف في الثناء على الدكتور بلقاسم سعد الله - صاحب الموسوعة التاريخية الفريدة- إن وصفناه بالجوهرة العصماء المنيرة في سماء الثقافة الجزائرية. لقد عاش ظروفا استثنائية أساسها الفقر وشظف العيش في مسقط الرأس في ظل الهيمنة الاستعمارية الفرنسيّة التي لم تزده إلا حبّا للوطن، عاش التغرب من أجل العلم الذي حُرم منه أجدادنا، فنهل من منابعه في تونس ومصر زادته تعلقا بالشخصية العربية- الإسلامية، ونهل من منابع الجامعات  الأمريكية فزادته تعلقا بالقيم الإنسانية كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”.عاش الدكتور سعد الله ، حسب الأستاذ فراد، مثقفا وفيّا للعقل والنقد البناء والقيم الأخلاقية والمصالح العليا للوطن والإنسانية، رافضا ذهنية المناقب وتقديس الأشخاص والمصالح الشخصية الضيّقة، وقال: “ومن مظاهر العظمة في الرجل أنه تجرّأ على مراجعة موقفه السلبي من الأمازيغية، حين دعا إلى تأسيس هيئة علمية مغاربية، تتكفل برعايتها وترقيتها. عاش ولم يجعل علمه سُلّما لحصد المغانم والمكاسب، عاش بسيطا كالسنابل الملآى التي تنحني تواضعا. وترك بعد رحيله من الذخر العلميّ ما لو استثمرناه لوجد فيه الباحثون في التاريخ والأدب والسياسة والإعلام والفكر،  مصدرا خصبا للكتابة والتأليف”.وترك سعد الله بعد رحيله، حسب فراد، وصيّة لا يقدر على الوفاء بها إلا المثقف القادر على الصبر على أمرّ من الصبر، مفادها “إن الكاتب الحق يجب أن يقول كلمته الحرّة المقتنع بها، سواء أرضت الآخرين أو أسخطتهم. أما الكاتب الذي يجامل بكلماته ويجاري التيار ويماشي الظروف، فهو كاتب دجّال لأنه لا يصدر عن عقيدة واقتناع، فهو إذن كاتب انتهازي، أو مأجور أو جبان (من كتاب سعد الله “أفكار جامحة” ص6)”.