38serv
يرى الدكتور بلكبير بومدين أن المجتمعات العربية تمر اليوم بمخاض عسير، قلب كل الموازين لصالح الفوضى والخراب. وقال: “وأكبر سبب وضحية (في الوقت ذاته) في الوصول إلى هكذا مناخ (من حيث خلقه والمحافظة على استمرارية سيرورته)؛ هو إنسان هذه المجتمعات “الإنسان العربي”، الذي يتحمل كامل المسؤولية (حاكما ومحكوما) في ما آلت إليه الأوضاع، بعيدا عن شماعة نظرية المؤامرة التي تتحجج بها الأنظمة المتهرئة ومن سار في فلكها”.قامت التجارب التنموية في المنطقة العربية، حسب الدكتور بلكبير، “على إغفال إنسان هذه المجتمعات كعامل أساسي لخلق القيمة المضافة، وكمورد استراتيجي لضمان نجاح أي مشروع تنموي”، موضحا: “ذلك لأن هذا “الإنسان العربي” يلاقي في حياته اليومية الكثير من أشكال الظلم والتعدي على “مُوَاطَنَتِهِ” (قد يأخذ هذا التعدي شكلا عنيفا، كما قد يتخذ شكلا لينا من خلال سياسات الترغيب؛ باعتماد توزيع بعض المناصب وجزء من الثروة لامتصاص الغضب)، وهذا واضح بما فيه الكفاية من خلال الجور والاضطهاد الذي يتعرض له بصفة متكررة، تُمْتَهنُ فيها إنسانيته وآدميته، وتصادر فيها حقوقه (الاجتماعية والنفسية والسياسية والفكرية والاقتصادية)”. والسبب الجوهري خلف تلك الممارسات حسب المتحدث ذاته “هو جره (أي الإنسان العربي) إلى الرضوخ والخضوع والاستسلام، عن طريق إدخاله في حالة من الكآبة والإحباط من أي إمكانية للتغيير، وبالتالي القبول بالواقع الذي يمليه أولو الأمر من دون أدنى مقاومة سلمية، ما يعطي “شرعنة” ومصداقية للأنظمة القائمة ويمنحها فرصا أخرى للبقاء والاستمرار لفترات أطول”. هذا الوضع جعل “الإنسان العربي”، حسب الدكتور بلكبير، “في مأزق وجودي كبير، فتارة نجده يمارس سلوكيات “التماهي”، يتماهى فيها مع الأبوية المشوهة للأنظمة القمعية السائدة التي تكبله في مجتمعه، فيعيد إنتاج ملامحها وصفاتها وسلوكياتها مع من هم أدنى منه في الطبقة أو في الدرجة أو مع من يقعون مباشرة تحت مسؤوليته أو إشرافه أو رعايته (في المجتمع، الأسرة والعمل)، وطورا نجده يصاب بحالة مزمنة من “الأنوية” جراء الحالة المتقدمة من الاكتئاب والكآبة وفقدان الأمل في تغير الوضع، ما جعله يتنازل عن أدواره ومسؤوليته ورسالته تجاه مجتمعه لصالح تعظيم منافعه ومكاسبه ومغانمه الذاتية والفردية، فهو مستعد أن يستغل ويوظف الجميع من أجل مصالحه الذاتية، لأنه لم يعد يؤمن بالآخرين ولا يبالي بالمجتمع أساسا، ومستعد بالتضحية بكل شيء من أجل ذاته ومغانمه الفردية. وفي أحيان أخرى نجد “الإنسان العربي” بسبب فشله الوجودي والحرمان (المادي والنفسي) والغبن المتولد من مشاعر الإحباط إما يحاول “الهرب إلى حياة أخرى موازية”، وغالبا ما يتجسد هذا الهروب في الإدمان على الفضاءات الافتراضية كملجأ يحاول من خلاله التعويض والتغطية على فشله الوجودي في الحياة الواقعية. أو يختار طريق “العنف”، هذا العنف المتولد من الغضب والرفض الذي يتحول في مرحلة لاحقة إلى حقد وعدوانية، وهو ما أصبح حالة سائدة في منطقتنا العربية، وصفة لصيقة بنا نحن أبناء المجتمعات العربية، تنعتنا بها المجتمعات الأخرى أينما حللنا وأينما ارتحلنا”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات