38serv
نظرة جادة وثاقبة، عضلات مفتولة، كاريزما لافتة، شخصية فولاذية، مسار سياسي دون فضائح، الأطفال يريدون أن يكونوا مثله، والنساء يردن أن يكن له.. ميزات تجتمع كلها في شخصية واحدة.. القيصر الروسي، الدب الروسي، أسير الشيشان، طفل روسيا المدلل، ألقاب أطلقت على رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، فلاديمير بوتين.. شخصية سياسية أثارت جدلا واسعا وانتقادات كبيرة فيما يخص القرارات والسياسات الخارجية الروسية الداعمة للأزمات التي تمر بها بعض الدول.. بوتين كلاعب سياسي ماهر في جميع الملاعب، خصوصا العربية، يسجل أهدافا حاسمة كل مرة في مرمى الفريق الأمريكي الذي يحاول تعديل النتيجة عبر البوابة الأوكرانية، وربما عبر صفقة في سوريا. بوتين انتشل روسيا من الرمال المتحركة التي كانت تغوص فيها بعد الحقبة السوفيتية. لا يزال يمضي بمركبه وسط عواصف التطورات الدولية، محاولا إعادة تسجيل اسم روسيا وشعبها في نادي “الدول العظمى”. دكتوراه في الاقتصاد، والسياسة تسري في العروقولد الرئيس فلاديمير بوتين في 7 أكتوبر 1952 في مدينة لينينغراد بالاتحاد السوفيتي سابقا، من أب سياسي شارك في الحرب العالمية الثانية دفاعاً عن لينينغراد. تخرَّج من كلية الحقوق عام 1975، ثم حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد. يجيد بوتين كلا من اللغتين الألمانية والإنجليزية إلى جانب الروسية، تزوج سنة 1983 من لودميلا ألكسندروفنا التي كانت تعمل مضيفة طيران، التقى بها وهو لا يزال طالبا. وأسفر هذا الزواج عن بنتين هما ماريا وكاتيا.سيرة ذاتية حافلةشغل بوتين خلال مشواره العملي عدة مناصب هامة أهَّلته ليتربع على عرش أقوى وأكبر دولة في العالم، بدايتها كانت سنة 1990، حيث تولى منصب مساعد رئيس جامعة لينينغراد للشؤون الخارجية، ثم مستشاراً لرئيس مجلس مدينة لينينغراد، ثم رئيساً للجنة العلاقات الاقتصادية في بلدية سان بيترسبورغ، ليصبح النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سان بيترسبورغ عام 1994. وعقب استقالة يلتسين يوم 31 ديسمبر 1999، أصبح فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا بالإنابة، ليتم انتخابه رئيساً للاتحاد الروسي يوم 8 ماي 2000، قبل أن يعاد انتخابه في 14 مارس 2004 لولاية ثانية بحصوله على أكثر من 70% من إجمالي الأصوات، وانتهت عهدته عام 2008، فاسحا بذلك المجال للرئيس السابق ميدفيديف، ويظل يشغل منصب رئيس للوزراء، حتى أعيد انتخابه مجددا يوم 7 مارس 2012 عقب حصوله على 64% من الأصوات.الرياضة سر الجسم المفتولبعد اختياره عام 2007 كأقوى شخصية سياسية نظرا لتحقيقه الاستقرار لروسيا وتأثيره الشديد على الساحة الدولية عامة، والروسية خاصة، التقطت عدسات المصورين في العديد من المناسبات صورا للرئيس بوتين وهو يمارس مختلف الرياضات باحترافية، حيث لاقت تلك الصور رواجا كبيرا وتناقلتها مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت منه فارسا على صهوة روسيا.عُرف الدب الروسي كبطل رياضي، حيث شغف في شبابه برياضات الدفاع عن النفس، ففي عام 1973 أصبح أستاذاً في لعبة السامبو بعد فوزه بعدة بطولات (أحد فنون الدفاع عن النفس الروسية)، ثم تحول منها إلى لعبة الجيدو التي تألق بها حاصلاً على الحزام الأسود.المطلّق آكل عقول النساءتتسابق المعجبات وحتى النجمات والسياسيات للظفر بقلب الدب الروسي الذي أخذ عقولهن بنظرته الحادة وعينيه الخضراوين وشخصيته الآسرة وأخلاقه النبيلة، وأبدى في العديد من المناسبات طريقته النبيلة في التعامل مع النساء، الأمر الذي دفعهن للجنون، خاصة أنه أضحى وحيدا بعد طلاقه من زوجته الأولى، ولم يتوقف التعبير عن إعجابهن عند هذا، بل حدث أن قامت مجموعة من النسوة برسم صوره على أظافرهن كطلاء، تعبيرا عن مشاعرهن تجاهه ودعمهن سياسته. ويأتي هذا بعد أن كانت صور فلاديمير بوتين سابقا تصنع كغلاف على علب الشوكولاته والكعك وحققت نسبة مبيعات كبيرة من طرف سيدات روسيا والعالم ككل. فرغم بلوغه سن الثالثة والستين، لا يزال القيصر الروسي يستحوذ على قلوب ملايين المعجبات.طفل روسيا المدلل.. نسخة مصغرة لستالينشبه الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين، وخاصة من عايشوا فترة الزعيم السوفيتي ستالين، الرئيس الحالي بوتين به، حيث بدا هذا التشبيه صحيحا إلى حد ما بعد سلسلة القرارات التي اتخذها قبل سنوات، فقد جرد بوتين الإعلام من الحرية، وعمل على إقصاء منافسيه أو الزج بهم في السجن، وصاغ هيكلا إداريا صلبا يدين له بالولاء الكامل، وأعاد البلاد إلى حكم الدولة البوليسية. كما أعاد تشكيل فرق “دروزينيكي” غير المسلحة التي يرجع تاريخها للعصر السوفيتي، والتي تولت مراقبة الشوارع بحثا عن “إرهابي القوقاز” واقتلاع جذور المواطنين من ذوي الأصول غير السلافية وملاحقتهم بشكل ينطوي على عنصرية واضحة ووحشية. وأسس انضباطا من نوع مختلف، انضباطا قائما على الخوف المؤدي إلى القصور الذاتي والخمول.وأرجع المطلعون أفعال بوتين المتشددة إلى أنه شاهد تفكك الاتحاد السوفيتي، لذلك أصبح يتصرف على أساس أنه الحامي الوحيد لأمن روسيا القومي.أزمة الشيشان انطلاقة بوتينكانت حرب الشيشان أول خطوة يقوم بها القيصر الروسي عندما اعتلى عرش روسيا، خاصة أن انتخابه كرئيس جاء بفضل الدعم الشعبي الكبير لموقفه المعادي للمتمردين الشيشانيين، إذ حولته حروبه ضد الشيشان إلى بطل روسيا الجديد، ولبس خوذة جنرال ومضى بجنوده إلى تخوم الشيشان دون خطوط حمراء، وحولها إلى أرض محروقة. استمد أسير الشيشان قوته طيلة سنوات الحرب من المساعدات الاقتصادية التي كانت تأتيه من صندوق النقد الدولي، لذلك يمكن تسميتها بالحرب التي تمول بواسطة الصناديق، فالغرب وإن كان يكره الروس فهو يكره المسلمين أكثر، لذلك دعم صندوق النقد الدولي الحرب بكل ما احتاجه الروس.وضعت أزمة الشيشان البطل الروسي في موقف المتهم، فقد اتهمه الكثير بالإرهاب ودعم الديكتاتورية والتقتيل والعنصرية، خاصة أن الحرب الأولى والثانية كانت ضد المسلمين، بينما صنفه العديد من الروس كبطل مناضل يحاول توحيد روسيا وحمايتها من دخول الرمال المتحركة مجددا.سوريا.. فضيحة بوتيناعتبرت العديد من الشخصيات والمحللين السياسيين دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بمثابة الفضيحة التي هزت أركان عرشه، فقد انتقد هؤلاء سياسته الداعمة للإرهاب والديكتاتورية، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها خلال اجتماعه مع قادة الدول أعضاء منظمة الأمن الجماعي، حيث طرح عددا من الاقتراحات لمساعدة سوريا على مواجهة الزحف الإرهابي، معلنا عن تمسكه برأيه ودعمه المادي والعسكري لحكومة الأسد، كونها فاعلا أساسيا فيما سماه “العمل المشترك” للقضاء على “تنظيم الدولة الإسلامية”، وأنه من الضروري أن يبقى الرئيس السوري على رأس حكومته حتى يتمكن البلد من الخروج من أزمته الحالية، الأمر الذي جعل منه في نظر الموالاة الزعيم العظيم والأسطورة التي اختارت الوقوف في وجه العالم ككل من أجل حماية نظام الأسد، بينما اتهمته المعارضة بدعم المنظمات الإرهابية، واعتبرت تأييده لسوريا فضيحة القرن.القيصر بوتين والسلطان أردوغانرسمت حادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية من طراز “سوخوي 24” قبل أيام معالم جديدة للعلاقات الروسية التركية التي اتسمت بالتوتر منذ الأزل، خاصة أن الحادثة أسفرت عن مقتل طيارين اثنين.وحسب تحليلات العديد من المجلات السياسية الأمريكية والعالمية، فإن تفاقم الصراع بين البلدين ينذر بعرقلة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ولملمة الجهود الدولية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. واعتبر العديد من الخبراء الاستراتيجيين أن التوتر الراهن بين تركيا وروسيا ليس بسبب إسقاط الطائرة أو انتهاك المجال الجوي التركي أو تنظيم الدولة، بل هو استمرار للصراع بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية العثمانية الذي بقيت معالمه منذ زمن بعيد، وذلك بعد مرور عقود على انتهاء عصور الأباطرة، فأزمات البلقان والقوقاز والقرم والبحر الأسود ومضيق الدردنيل لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات الحالية بين البلدين.فهل ستفتح القضية التركية النار على رجل مغامرات روسيا ومُروِّض القلة الحاكمة؟ وهل ستكون قراراته المستقبلية لصالحه أم ستضعه في موقف المتهم؟ الأيام وحدها ستحدد مستقبل الدب الروسي الصامد الذي أسر العالم ككل بجاذبيته وشخصيته.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات