مسرح سوق أهراس ينجح في نقل "اللاز" إلى الركح

38serv

+ -

نجح المخرج يحي بن عمار والكاتب محمد بورحلة في نقل مسرحية ”اللاز” للروائي الراحل الطاهر وطار إلى الركح، حيث جاء عرضها الشرفي أول أمس بالمسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي في شكل تراجيدي شد الجمهور الحاضر من البداية إلى النهاية. تدور أحداث مسرحية ”اللاز” التي أنتجها المسرح الجهوي لسوق أهراس حول وقوع مجموعة من المجاهدين خلال حرب التحرير في كمين للعدو الفرنسي، الأمر الذي خلف عدة قتلى في صفوف المجموعة، فينتاب الشك القائدين سي العيد (تمثيل العيد بن عمارة) وسي حكيم (تمثيل حكيم بن خالد) ويروّجا وسط المجموعة لوجود خيانة اقترفها أحدهم. وتسير أحداث المسرحية طيلة ساعة وعشرين دقيقة على وقع تراجيدي ودرامي بلغة عربية فصيحة تبرز قوة الاقتباس الذي قام به الروائي والكاتب المسرحي محمد بورحلة، زادها أداء الممثلين القوي الذي جعل الجمهور يتابع العرض دون ملل رغم محدودية المكان الذي تدور فيه أحداث المسرحية، الذي اعتمد على ديكور بسيط يتكون من منصة حمراء تصعد وتنزل حسب الوتيرة الدرامية للعرض الذي تابعه عدد من الوجوه الفنية والمسرحية، على غرار الممثل سيد أحمد أڤومي وعبد الحميد رابية وعمر فطموش.وقد تمكن مقتبس المسرحية محمد بورحلة الذي سبق له أن اقتبس للمسرح رواية أخرى للطاهر وطار، وهي ”الولي الطاهر يعود لمقامه الزكي”، من إعطاء النص بعدا إنسانيا خاليا من أي توجه أو أثر أيديولوجي مثلما نعثر عليه في الرواية التي نشرها وطار سنة 1974، والتي انتصرت صراحة لزيدان المناضل والمثقف اليساري.واكتفت المسرحية بإبراز الجانب الإنساني لمجموعة من المجاهدين وهم مجردون من القداسة (فلا قداسة إلا للثورة مثلما يقول أحد الممثلين)، وهم في حالة صراع مع الشر الذي يعتقدون أن المختلف معهم هو من يمثله ويجسده، فيقررون محاكمة سي زيدان (تمثيل علي جبارة) بعد أن جعلوا الشكوك تحوم حوله رفقة سي جلال (تمثيل دراوي جلال). ويقع هؤلاء ضحية الفكر الأحادي الذي يرى أنه لا يوجد ثوريون خارج المجموعة التي ينتمون إليها، فهم الصفاء والنقاء، أما الباقي ففيهم شبهة الخيانة.وبينما بقي زيدان ثابتا على مواقفه وصارما، تخور قوى سي جلال ويعترف بعلاقته بالجماعة، في إشارة منه إلى الحزب الشيوعي الجزائري الذي انخرط في الثورة ابتداء من سنة 1956. ورغم سعي زيدان لإبراز خطورة الشك وهو يتسلل في نفوس القادة، الأمر الذي يزرع بينهم الفتنة التي تخدم الاستعمار الفرنسي، إلا أن المسرحية ركزت على الجانب التصاعدي للتدمير الذاتي الذي يغذي التراجيديا، ويجعل من المسرحية عملا مميزا. وبالفعل، نجح المخرج يحي بن عمار في تقديم مسرحية تراجيدية متكاملة، وأظهر قدرة على إدارة ممثلين تناغموا مع أدوارهم ومع النص الفصيح الذي تتخلله بعض الجمل بالعربية الدارجة، بالأخص في حالات التراجيديا القصوى، واستطاع أن يعطي مقولة ”اللاز” الشهيرة ”ما يبقى في الواد غير أحجارو” مكانة خاصة، رغم بقائه (اللاز) كشخصية حاضرة بشكل يكاد يكون صامتا، منذ أن افتتح العرض، وهو يرفع الستارة بصعوبة توحي إلى صعوبة التطرق لمثل هذه المواضيع الحساسة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات