38serv
الغياب المتتالي للرواية الجزائرية عن البوكر يبدو لي مبررا من طرف الرواية الجزائرية ذاتها، فبعيدا عن عقدة المؤامرة التي ترى في الغياب إقصاء وتهميشا معتمدا، أعتقد أن الميل العام للرواية العربية خلال السنوات الأخيرة باتجاه الجوانب الاجتماعية والتاريخية، وجعل التاريخ كماض وكراهن، موضوع أساسي في انكتاب الرواية التي طلّقت أوهامها الرومانسية منذ فترة وتسعى، عبر التجريب، وعبر الممارسة المكسبة للتجربة أيضا، للبحث عن شكل جديد للرواية العربية، صحيح أنه يجاري التحولات العالمية الحاصلة في مجال الكتابة الروائية والتي صار التاريخ، ورفض السلطة بمختلف تجلياتها الاجتماعية والسياسية والدينية، موضوعها الأساسي، إلا أنه توجّه يبحث عن خصوصية ما للرواية العربية تتماشى وطبيعة التطور والسيرورة الخاصة بالمجتمعات العربية التي تعتبر الرواية أحد أدواتها الأكثر ألمعية في تمثل الحداثة وقيمها. على العكس من هذا التوجه الذي ثمّنته جائزة البوكر، ولجنتها التحكيمية، من خلال منح جوائزها لروائيين يكتبون الرواية وفق تصورات فكرية تنظر للتحولات الاجتماعية وهي تكتب نصا إبداعيا، والأسماء الفائزة خلال السنوات الماضية تعكس هذا التوجه بشكل واضح وجلي (شكري المبخوت، أحمد سعداوي، بهاء طاهر، ربيع جابر، محمد الأشعري، عبده خال، يوسف زيدان، سعود السنعوسي ). على العكس من هذا التوجه، كما قلنا، نجد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية لا تزال غارقة في ”أوجاع التسعينيات” ليس كتاريخ مكتوب في قالب روائي كما هو حالة رواية الحرب اللبنانية، إنما كشهادات ذاتية عن عدم الفهم، وكتنديد عاطفي بما حصل، مما جعل أغلب النصوص الصادرة مؤخرا عبارة عن خواطر ذاتية مغرقة في الحميميات الشخصية والهواجس النفسية عن الحب والحرمان، ومفتقدة بشكل كبير، نتيجة حداثة التجربة الروائية لأغلب من صاروا يمثلون الرواية الجزائرية إعلاميا، للتصورات الفكرية حول الرواية ذاتها باعتبارها فن حداثي مرتبط بالتحولات الاجتماعية أكثر من كونها مجموعة خواطر متراصة فاقدة لأي بناء هندسي يشكل بذاته دلالة إيديولوجية ومجال تأويل للرواية نفسها، فالرواية ليست حكاية وهذا ما لم يدركه الروائيون الجزائريون بعد، خاصة الجيل الذي قفز من قارب الشعر المهجور نحو جزيرة الرواية متوهّما أنه يقف على أرض صلبة. إن الاشتغال على اللغة وحده، وإن كان يعطي متعة للقارئ البسيط، إلا أنه لا ينتج رواية يمكن أن تقنع لجنة تحكيم متكونة من أكاديميين متشعبين بالتصورات الفكرية حول بناء وهندسة الرواية، كنص يشتبك مع الواقع ليتمثله ويعبّر عنه انطلاقا من هموم ومشاغل الذات كجزئية، وليس كمركز طاغي الحضور، كما هو حال أغلب النصوص الروائية الجزائرية التي يندد أصحابها بالإقصاء والتهميش الذي يتعرضون له سنويا من طرف جائزة البوكر، متجاهلين ومنكرين أنهم هم الذين أقصوا أنفسهم بما كتبوا ولم يهمّشوا أو يقصوا عن قصد سيء ونية مسبقة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات