38serv
يرى القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية الدكتور محمد الهندي أن إسرائيل توهّمت بأنه في ظل الحرائق التي تشتعل في المنطقة، من الممكن أن تنحرف البوصلة عن فلسطين وعن القدس، إلا أن الشعب الفلسطيني دافع عن مقدساته بانتفاضة الأقصى، مشيرا في حوار مع “الخبر” إلى أن الأفئدة التي تهوي إلى الأقصى تدرك أن هدف إسرائيل ليس فلسطين وإنما كل المنطقة.كيف تنظرون إلى واقع الانتفاضة الفلسطينية؟ وما هو السبيل لتحويلها إلى قوة تحرير وتفادي مآلات الانتفاضتين الأولى والثانية اللتين وأدتهما السياسة في نهاية المطاف؟صحيح، الانتفاضتان الأولى والثانية كانت عليهما مؤامرة، لكني أعتقد أنهما رغم ذلك حققتا إنجازات حقيقية للشعب الفلسطيني، فالانتفاضة الأولى التي بدأت عام 1987 كانت أول مواجهة شعبية تقريبا بين جموع الشعب الفلسطيني كله وبين المشروع الصهيوني، ولذلك كان هناك عنف في قمع الانتفاضة، وكان رئيس الوزراء وقتها إسحاق رابين يتحدث عن سياسة تكسير العظام للشعب الفلسطيني، ولكن بعد مرور 7 سنوات عن فشل إسرائيل في كسر الإرادة الفلسطينية، توجهت واستدارت 180 درجة للتفاوض مع عدوها اللدود منظمة التحرير، وكان اتفاق أوسلو الذي في أحد وجوهه هو التفاف على المطالب الفلسطينية وعلى الانتفاضة الأولى، لكن هو اعتراف من إسرائيل أن هناك شعبا آخر له حقوق سياسية في هذه الأرض بين البحر والنهر، وفي أحد وجوه الاعتراف أن الشعب الفلسطيني له حقوق على الأقل في الضفة الغربية وغزة.صحيح، هم لم يطبقوا ذلك، وحاولوا طيلة 20 سنة من المفاوضات أن يلتفوا حول هذه المسألة، وصحيح أننا في الجهاد الإسلامي وفي المقاومة رفضنا اتفاق أوسلو، ولم نفعل ذلك إلا لأنه يفرق بين 80% من فلسطين، فهم أرادوا أن يقولوا إن 80% هي لإسرائيل وليست لكم، و20% من الأرض المتبقية نتفاوض عليها. الانتفاضة الأولى حققت هذا الإنجاز غير المرئي وغير المحسوب بالنسبة للناس.أما بالنسبة للانتفاضة الثانية التي قامت عام 2000، أعتقد أن إسرائيل انسحبت في ظل المقاومة وفي ظل الانتفاضة التي لم تكن تمتلك الحجارة والغضب والإيمان في صفوف الشباب فقط، وإنما أصبحت تمتلك سلاحا.. إسرائيل انسحبت من غزة من جانب واحد، وأتى ذلك نتيجة للانتفاضة وللمقاومة الفلسطينية التي أضحت تلحق خسائر حقيقية بإسرائيل، والذي فكك مستوطنات غزة وانسحب هو ملك الاستيطان، آخر ملوك إسرائيل رئيس الوزراء آرئيل شارون الذي كان يقول “أنا نتساريم”، وهذه الأخيرة هي مستوطنة صغيرة في غزة مثل تل أبيب، وهو فكك نتساريم وكل مستوطنات غزة، وترك غزة من جانب واحد، واتخذ هذه المقامرة بمستقبله السياسي وخرج من حزب الليكود، وأسس حزب كاديما في 21 نوفمبر 2005 على خلفية الانسحاب من غزة، وبانسحابه هدد غزة قائلا “إن خرجت طلقة واحدة من غزة فسأمسحها من على الخارطة”، وبعد تهديده أصبحت الصواريخ تطلق من غزة وتقصف تل أبيب على مدى 51 يوما.وفيما يتعلق بالضفة الغربية، فقد بنوا الجدار العنصري ليعزلوا التجمعات السكانية الفلسطينية ويلتهموا أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية مع أقل عدد من السكان، ورغم أنه جدار عنصري يريد أن يتجاوز حتى اتفاقية أسلو، إلا أنه يعترف في أحد تجلياته بأن خلف الجدار هذه الأرض لإسرائيل وأنها مستعدة للتخلي عنها أيضا، ولذلك إسرائيل تخسر رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها ورغم الإنجازات، فهي لها خيارات صعبة إذا الشعب الفلسطيني قاوم واستمر في المقاومة والجهاد ولم يتخل عن خياره.الآن هذه الانتفاضة الثالثة التي نحب أن نسميها انتفاضة الأقصى، لا أريد أن أقول إننا لا نعطيها البعد الديني، لكننا نعطيها البعد الذي يتعاطى مع الشعب الفلسطيني وثقافته وتاريخه وعقيدة أبنائه، لأنها هي التي تولد الدوافع الحقيقية للاستمرار، وهي مسألة أساسية، هم توهموا أنه في ظل الحرائق التي تشتعل في المنطقة، وفي ظل هذا الصراع القائم، يمكن أن تنحرف البوصلة عن فلسطين وعن القدس، وممكن أن يكون الوقت مناسبا لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، ولذلك لم يكن أمام الشعب الفلسطيني خيار آخر، فهو يدافع عن مقدساته، وفي هذه المناسبة أريد أن أوضح أن الشعب الفلسطيني يدرك أنه لا يمكن أن يحقق الانتصار في هذه المواجهة التي تختل فيها موازين القوى، لكن لا يمكن أن نمرر موضوع الاعتداء على الأقصى، فهو لا يخص الفلسطينيين فقط، نحن لا ندافع عن قطعة جغرافية من الأرض، إنما هو يخص التاريخ والثقافة والحضارة الإسلامية والمقدسات الإسلامية والمسيحية العربية في القدس، هذا هو الدافع الأساسي، وهذا هو الذي يجعل شبابا وفتية صغارا، ربما لم يقرءوا ولم يعرفوا الكثير، يمتلكون حسا عفويا، هم يعرفون دورهم وأن عليهم أن يدافعوا عن المسجد الأقصى لأنه يخص المليار ونصف المليار مسلم، يعني كل هذه الأفئدة تهوى الأقصى مسرى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك هم يدافعون بهذه الأبعاد.الكثير من هؤلاء الشبان لا ينقصهم شيء، ولعل من بينهم شهيد شاب أتى من أمريكا قصد الزواج، وأهله بخير وهو ميسور الحال جدا، وفي وصيته قال “أعتذر من أهلي وأطلب منهم أن يسامحوني، لأنني أعرف أنهم سيعانون من بعدي”، وفضل الشهادة، وهذا هو المغزى، بمعنى أن هؤلاء الشبان يعرفون ويدركون أن القضية ليست قضية قطعة جغرافية أو أرض أو غيرها، إنما هي قضية مقدساتهم.هل تبقى المقاومة المسلحة لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض البديلَ الأوحد رغم الحصار العربي والدولي على الشعب الفلسطيني؟نحن شعب صغير وإمكانياتنا ضعيفة، ولكن وظيفتنا هي الإبقاء على الشعلة متّقدة، أن يتم الاشتباك مع العدو في كل الأوقات وكل الحالات، وخاصة إذا ظن هذا العدو أن الأوضاع الإقليمية بإمكانها أن تساعده في تمرير مخططاته، عندما نتحدث عن المقاومة المسلحة فهي مسألة مهمة، فبعض الفلسطينيين والعرب قالوا إن خيار المفاوضات هو الأساس، ونحن جربنا هذا الخيار، جربنا الاتفاقيات منذ أوسلو ومدريد وقبل ذلك، وكانت هذه المفاوضات غطاء لكل المآسي، غطاء لكل الشرور، في ظل المفاوضات إسرائيل كانت تلتهم الأرض، ولها مخطط وسياسة ثابتة عند كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، الاستيطان لا يمكن أن توقفه لا مفاوضات ولا ضغوطات ولا رأي أمريكا ولا رأي أوروبا، كل هذه المسائل خلف ظهر إسرائيل، فهي تقوم ببناء المستوطنات وسرقة الأرض، في المفاوضات قالوا هناك حل الدولتين، بمعنى أن يكون هناك دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ونحن فوجئنا بعد 20 سنة من المفاوضات بأن هناك حل الدولتين، ولكن دولتين لليهود، الدولة الأولى التي قامت عام 1948 وهي إسرائيل، وهناك إسرائيل ثانية تقوم في أراضي الضفة الغربية، وهي أرض أو دولة للمستوطنين، فأين دولة الفلسطينيين؟ هذا هو مشروع الدولتين، ثم يقول البعض ماذا تستفيدون من المقاومة؟ ماذا تحقق لكم المقاومة؟ طيب لأصحاب هذه الرؤية أقول: ماذا حقق مشروع المفاوضات طيلة 20 عاما؟ كان فقط غطاءً للتهويد، وغطاء لسرقة الأرض وبناء المستوطنات، ونحن عندما نتحدث عن المستوطنات لا نقول إنها مستوطنات عادية، هذه الكتل الاستيطانية هي مدن، وتلتهم حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، وتبقي مراكز المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية معزولة عن بعضها البعض دون أي تواصل جغرافي، ولذا لا يمكن أن تقام دول فلسطينية في مثل هذه الأرض البسيطة، بعدد سكان كبير في مساحة ضيقة، هذا وهم كبير. فنحن نقول إن الشعب الفلسطيني خبر الوضع، ولا تهمنا الشعارات الكبيرة، إنما يهمنا ما نراه على الأرض، وحسبما هو على الأرض لا يمكن احتمال قيام أي دولة أو كيان على الأرض المتبقية، وفي نفس الوقت نحن خبرنا الإنجازات التي حققتها المقاومة في غزة، وكنتيجة للمقاومة كان هناك انسحاب من طرف واحد، أيضا عندما نشغل العدو ويبقى الصراع قائما تسري هذه الروح في الأمة، والشعب الفلسطيني لديه خيار آخر، في السابق عندما بدأت المفاوضات كان الكل يريد التخلي عن فلسطين وأن يغسل يديه من هذا الهم الكبير، ويقولون “نحن نقبل بما يقبل به الفلسطينيون”، إذن الفلسطينيون لا يقبلون هذا الخيار ولديهم خيار آخر اسمه المقاومة، فهل تقبلون بهذا الأمر؟ وهذا يحرج من يريد التخلي عن فلسطين، فالشعب الفلسطيني يصر على التمسك والاستمرار في المقاومة، صحيح هذه القضية لن تنتهي خلال عام أو 10 أعوام، فالقضية لها امتدادات في التاريخ والعقيدة والجغرافيا والسياسة، ولذلك نحن نراكم.. بفعل المقاومة بدأنا نراكم عناصر القوة والاتحاد والتوحد في خندق واحد، وبدأت الأمة تلتقي حول فلسطين بعد أن كانت منسية ويريد البعض التخلي عنها.هل من تنسيق بين سرايا القدس وعز الدين القسام وفصائل المقاومة الأخرى؟ خاصة مع بروز مؤشرات إمكانية تجدد العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة..دون شك وحدة الشعب الفلسطيني هي الأساس، خاصة ما بين فصائل المقاومة، وخيارنا في المقاومة هو أن نتوحد وأن ننسق في الميدان، وبحمد الله منذ حوالي 4 سنوات على الأقل كان هناك تنسيق أمني ما بين حماس والجهاد الإسلامي، تنسيق بين كتائب القسام وسرايا القدس، وهو ما أثمر إنجازات على الأرض خلال العدوان الأخير طيلة 51 يوما، والكل يعرف أن هذا التنسيق كان له نتائج إيجابية في صمود الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، وتحقيق العديد من الإنجازات على الأرض تتطلب دعم التنسيق والاستمرار فيها، وتوسيعها لتشمل كل من يريد أن يقاوم، نحن والحمد لله ندرك أن التنسيق هو أكثر ما نحتاجه في مواجهة العدو الذي يهدد باستمرار بضرب غزة والضفة الغربية.دعوتم مرارا إلى توحيد الصفوف، لكن الواقع العربي يكشف عن تناقضات عديدة في ظل ما يحدث مع “أعاصير الربيع العربي”، كيف تقرءون ردود الأفعال العربية الباهتة تجاه الانتفاضة الثالثة؟هناك قضايا تشغل الأمة، هناك حروب مشتعلة وفتنة منتشرة في المنطقة، لذلك ليس من المتوقع أن يكون هناك تفاعل كبير في 2016، كان هناك تقاطر لوزراء الخارجية العرب غلى غزة أثناء القصف والعدوان الإسرائيلي في 2014، عندما أفرغت إسرائيل تقريبا كل خزائنها من القنابل، إذ لم تتوقف طائراتها ولا بوارجها الحربية ولا الدبابات عن قصف غزة ودمرت ما دمرته، لكن للأسف لم يقف أحد تقريبا إلا القليل من الشعوب العربية والإسلامية، وبعض الأصوات العربية كانت تشجع إسرائيل على الاستمرار، نحن نعرف أن هناك انشغالات واهتمامات أخرى، ونتوقع ذلك، لكن هذا لا يعيقنا من أن نشير بالبوصلة مرة أخرى إلى الاتجاه الصحيح، لأن إسرائيل ليست عدوا للفلسطينيين فقط، ولا تستهدفهم لوحدهم، وإنما تستهدف كل المنطقة، وهذا تاريخها، فقد سبق أن قصفت حمام الشط في مصر وأحدثت مجزرة هناك، ومفاعل تموز في العراق، وفي لبنان كل بضع سنوات تعتدي عليها، وفي فلسطين كل يوم تقريبا، لذلك فالواجب الآن على الفلسطينيين، وخاصة على المقاومة الفلسطينية، هو أن تبقى تقول هذا هو العدو الصحيح، هذا هو العدو المركزي، هذه البوصلة باتجاه القدس، وكل الأوهام الأخرى ثانوية، وهذا هو واجب المقاومة الفلسطينية حتى وإن تعاطف من تعاطف، وأيد من أيد، ودعم من دعم، هذه مسألة تأتي في الحساب بعد أن نقوم بواجبنا.بعض الدول العربية دعت إلى العمل مع إسرائيل لمواجهة الإرهاب، وهو ما يجعلنا نتساءل عمن يكون الإرهابي الذي ستتم مواجهته. ما مدى تأثير هذه المواقف على القضية الفلسطينية؟للأسف هذا الموقف موجود، لكنه ليس موقفا شعبيا، هو موقف معزول، فالشعب المصري منذ أكثر من 35 سنة من كامب دايفيد يرفض التطبيع ولم يطبع، ويعمل على عزل الأصوات المطبعة لتصبح هامشية، ولا يكون لها أي قيمة، والأمر نفسه بالنسبة للشعب الأردني. لكن نسمع للأسف أصواتا في هذا الاتجاه الآخر في بعض القوى الهامشية في أكثر من دولة، ولكن هذه الاتجاهات معزولة بفعل استمرار المقاومة، فحتى إسرائيل لما كانت تقصف غزة لم تنجح في الميدان ضد الجنود والعساكر والمجاهدين، وإنما قصفت المدنيين، كانت تقصف المساجد والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس والبيوت، وفي نفس الوقت ظهرت أصوات نشاز تشجعها على الاستمرار في قصف المدنيين، رغم أنها كانت بمثابة الفضيحة في الداخل الإسرائيلي، وكانت هناك الكثير من الآراء تقول إن إسرائيل هزمت، فأخلاقيا إسرائيل خسرت لأنها لم تعد تمتلك جيشا محترفا له قواعد اشتباك فراح يقتل المدنيين، فيما كانت خسائر إسرائيل في الجبهة من العساكر والضباط، ولذلك فالمقاومة الفلسطينية حتى على المستوى الأخلاقي حققت إنجازا.صحيح تلك الأصوات قد تكون مؤثرة، لكن أنا متأكد أن الشعوب سوف تعزلها، في ظل بعض النفاق السياسي الذي يدور في موقف بعض الكتاب وبعض الاتجاهات التي تدعي الليبرالية والتحررية، لكنها تقف الآن مع العدو الإسرائيلي.هل تعتقد أن دعم الجزائر للقضية الفلسطينية كاف؟جئت إلى الجزائر في إطار دعوة من قبل جمعية العلماء المسلمين، وهي ليست المرة الأولى التي آتي فيها، فنحن نعتز بهذا البلد وشعبه ووقوفه مع الفلسطينيين. الشعب الجزائري وبتجربته العميقة في مواجهة الاستعمار الفرنسي يجعل الإخوة المنتفضين في القدس ربما يرفعون العلم الجزائري فقط، ليكون العلم العربي الوحيد الذي يحضر في المسيرات والمسجد الأقصى، هم يعرفون أن كل الأمة تقف مع فلسطين، لكن لانشغال الكثير من الأقطار العربية هم متمسكون بالجزائر وشعبها، والشعب الجزائري نصنفه من أكثر الشعوب المتفاعلة مع القضية الفلسطينية نتيجة لتجربته وتاريخه، ولكونه شعبا حرا وقويا وليس لديه أي مسائل إن شاء الله تشغله عن هذه القضية التي تحظى بالإجماع، رغم اختلاف الأطياف السياسية والأفكار، وهم يقولون “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، ونحن نقول إن شاء الله لن نكون ظالمين في أي حال من الأحوال، فلسطين فوق المحاور وفوق الصراعات التي لن تفيد المنطقة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات